Tuesday, November 3, 2015

هل يحق لمجلس الأمن أن يقرر أين يدفن عرفات؟

هل يحق لمجلس الأمن أن يقرر أين يدفن عرفات؟


هل يحق لمجلس الأمن أن يقرر أين يدفن عرفات ؟

الاربعاء 10 تشرين الثاني 2004
 
يروج الإعلام الإسرائيلي معلومات مفادها أنهم يعرفون عن حالة عرفات الصحية أكثر من أطبائه الذين أقنعوه بضرورة نقله إلى المستشفى لأنهم لم يستطيعوا تشخيص حالته , وكأن الطب بدأ عاجزاً عن تفسير الحالات المرضية للزعماء وبدأ الذهول يسيطر على بعض الأطباء وأنهم قاب قوسين أو أدنى من مرحلة اليأس التي عاشها المقربون من عرفات خلال الأيام القليلة الماضية لدرجة أنهم بدأو بمقايضة حياة عرفات بما تبقى للمقايضة من قضية فلسطين المستعصية على الحل وهي أمام جميع الأروقة والمؤتمرات وكأن إستمرارية المفاوضات تبدأ بالبحث في حياة عرفات أولاً ومن ثم بعد ذلك تبدأ صافرة إطلاق الماراثون المحموم وخصوصاً بعد إنتهاء الإنتخابات الأمريكية وتدخل أطراف عديدة لكي يتجاوز عرفات حالة الغيبوبة التي لازمته فترة من الوقت وكان عنوان هذه المفاوضات "الترياق" مقابل "عدم العودة" ويبدوا أن هذه المفاوضات بدأت تؤتي ثمارها عندما بدانا نسمع على لسان أكبر المسؤولين أنه ليس في غيبوبة وجميع هذه التصريحات تؤكد على عدم معرفة مايعاني منه على وجه الدقة . وبدأت الإشاعات تطفوا على السطح إن ماحصل لعرفات هو حالة من التسمم الشديد وهو مايشبة الحالة التي تعرض لها خالد مشعل في الأردن قبل عدة سنوات من قبل عملاء إسرائيليين ولكن هذه المرة تريد وسائل الإعلام على التأكيد أن من قام بهذا العمل هم من المقربين من عرفات والهدف من هذا الكلام هو التركيز على خيانة المقربين لقائدهم أي بمعنى أوسع خيانة الشعب لقائده ورئيسه وتهدف مصادر هذه الأخبار الى ضرورة اللجوء الى إسرائيل على إعتبار أن المادة السامة مصدرها من إسرائيل وتم التشبيه بين الغيبوبة التي تعرض لها خالد مشعل والتي حيرت الأطباء حينها ولم تزول هذه الغيبوبة إلا بعد تزويد معالجي خالد مشعل بترياق طبي مضاد للمادة السامة، حيث أفاق مشعل من الكوما المحيرة حال حقنه بالعلاج المضاد للتسمم في دمه . ولن تنتهي علاقة الإسرائيليين مع ياسر عرفات التي تزودنا بمواد إعلامية غنية للنشر تفرز حقداً وكراهية بين الشعبين لعدم حلحلة القضية وليبقى الصراع أزلي غير قابل للحل . وبشهادة كثير من الكتاب والصحفيين أن عرفات ليس محبوباً في إسرائيل وأظهرت وسائل الإعلام بعض المتشددين اليهود يتقبلون التهاني عند سماعهم أخبار غير دقيقة تحدثت عن وفاة الرجل ، وإن كان اليسار الصهيوني لازال يعتقد أن عرفات هو الأداة الضرورية من أجل إقناع الشعب الفلسطيني بقبول التسوية بالشروط الإسرائيلية . وتورد بعض الأحزاب الإسرائيلية مقولة أنه تم إنقاذ عرفات بعد حرب الكويت لغرض فرض الشروط عليه . وكان الثمن سلطة في الضفة الغربية بدل جهاز في تونس، وبساطاً أحمر في واشنطن وفتح أبواب البيت الأبيض وحتى جائزة نوبل وغيرها.

وهنا يرغب الإسرائيليون بالتأكيد على فرضية تسميم طعام عرفات ، بعد إقرار مستشفى بيرسي لذوي عرفات ومرافقيه بوجود مركب كيميائي سام في دماء عرفات من الصعب معرفة ماهيته، ,وستتم عملية المقايضة بترتيبات فرنسية يتم بموجبها قيام إسرائيل (الموساد) بتزويد المستشفى بترياق طبي مضاد للمركب السام في دم عرفات مقابل إتمام عملية المقايضة السرية . ولاسيما أن اليهود لهم سجل حافل في مجال دس السم منذ عهد الرسول (ص) الى وقتنا الحاضر , وذكرت الأنباء الواردة من إسرائيل عبر أحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي الذي أكد إحتمال فرضية وضع السم لعرفات في طعامه وعلى إثر ذلك طالب بعض الأعضاء بإجراء تحقيق فوري في الأمر حتى لاتؤدي هذه الأقوال الى سفك مزيد من الدماء . وأعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أنه سيصدر تعليمات للشرطة للبدء في التحقيق في أقرب وقت ممكن . ولكن هناك فرضية يجري الحديث عنها في إسرائيل وهي أنه في الغالب سيتم فصل أجهزة التنفس الصناعية عن عرفات يوم الثلاثاء المقبل وأنه سيتم تشييع جثمان الفقيد يوم الجمعة ولهذا السبب قرر أحمد قريع وأبومازن السفر الى باريس للإطلاع على حقيقة الوضع الصحي عن كثب رغم عودة محمد دحلان من باريس .

ومع ذلك تحولت الآمال المعلقة الى كراهية عميقة شخصية لياسر عرفات، بسبب عدم تفريطه بقضية القدس والاجئين . وبعد فشل «كامب ديفيد» فتح اليمين الإسرائيلي باب التحريض على مصراعيه ، الإسرائيليون يكرهون عرفات ويتمنون له الموت علناً. وتزداد الكراهية طبعاً الى درجات غير مألوفة لأنه تصرف عكس ماهو متوقع منه، وهذا بحد ذاته أهم سبب للكراهية ولهذا السبب سمعنا في الأخبار أنباء كثيرة عن ضرورة إبعاد عرفات لأنه أصبح شخص غير مرغوب فيه .

وهناك إتصالات مصرية مع الإسرائيليين في محاولة لحلحلة الموقف الإسرائيلي الرافض لمسألة دفن عرفات في القدس في حالة وفاته ، رغبة في تنفيذ وصيته التي أدلى بها عكرمة صبري مفتي فلسطين . وهنا نتسائل ولماذا تتدخل المراجع الدينية بالحديث عن أحقية دفنه في القدس؟وهل آن أوانها ؟ وماهي المبررات التي سيقت ؟ إنهم قالوا إن القدس مسقط رأسه وأنه يحتفظ بمجسم للقدس في غرفة نومه ، في مقره في المقاطعة- وأنها أرضاً فلسطينية بموجب القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وهناك من يقول " ليس من حق إسرائيل أو غيرها منع دفن الرئيس عرفات في مثواه الأخير الذي اختاره ". وإذا كان هذا الكلام صحيحا فهل تملك السلطة الفلسطينية اي قوة لإجبار إسرائيل على تنفيذ الوصية . بالطبع لا والدليل على ذلك لقد كان الرجل يحلم أن يصلي في القدس ولكن ماهي النتيجة هل صلى بالقدس بعد إتفاقيات أوسلوا أم لم يصل بها من الواضح أنه لم يتمكن من الصلاة في القدس لماذا ؟ لأنه إذا صلى بالقدس فهذا يدل على إعتراف من إسرائيل بشكل أو بآخر بموضوع القدس ، لكن الحلم ظل يراوده يوميا وهو الأمل الذي بقي يعيش من أجله صحيح أن القدس بالنسبة لعرفات كانت خطا أحمر في المفاوضات التي خاضها مع الإسرائيليين والأمريكيين علي مدى السنوات الماضية، ورفض تقديم أي تنازل بخصوصها، وهو الأمر الذي أغضب الأمريكيين في مفاوضات كامب دافيد الثانية التي رعاها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ، وأدى إلي التراجع الملحوظ في العلاقات الفلسطينية- الأمريكية . ومعظم خطاباته السياسية كان دوما يتحدث فيها عن القدس وضرورة استعادتها، ليس فقط لأسباب دينية عقائدية ولكن أيضا لأنها أرض فلسطينية بموجب قرار مجلس الأمن 242 الذي نص على انسحاب إسرائيل الكامل إلى حدود الرابع من يونيو 1967.

انتقلت الأزمة التي تواجهها الدول العربية من تنفيذ وصية الرئيس عرفات بدفنه في القدس، إلي المكان الذي سيخصص لتلقي العزاء فيه وهو الذي ستحدد طبيعة ومستوى المشاركين في تقديم العزاء، فيما اقترح بعض المثقفين المصريين تخصيص مبنى الجامعة العربية في وسط القاهرة لتلقي العزاء في الرئيس الفلسطيني والقضية التي عجز المجتمع الدولي عن إيجاد حل يستند إلى الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي الصادرة، وحتى مبدأ الأرض مقابل السلام.

وتناولت الاتصالات العربية - الفلسطينية الجارية الآن موضوع ترتيبات انتقال السلطة الفلسطينية، والمكان الذي سيكون المثوى الأخير للرئيس الفلسطيني في ضوء الاتصالات التي يجريها العرب والفلسطينيون مع الجانب الإسرائيلي.

ولكن من المرجح أن يتم دفن الرئيس الفلسطيني في غزة إلى مدفن عائلته في غزة بجوار والدته وأخته أم ناصر .

ولكن المهم الآن بالنسبة للدول العربية هو مسألة إنتقال السلطة الى طرف غير الجماعات الإسلامية وإقصاء حركتي حماس والجهاد من إحتلال مواقع تقدمية على طريق الإستحواز على السلطة ويتمثل ذلك بدعم موقف اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح . وأصبح من الواضح الحديث الآن عن استراتيجية وطنية موحدة توحد الخطاب والقرار الفلسطيني، "وإيجاد خطة سياسية لتثبيت الموقع الفلسطيني خاصة بعد إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي جورج بوش", وكذلك إقرار الكنيست الإسرائيلي لخطة فك الارتباط وقانون الإخلاء والتعويض . وطبيعي أن تقوم الجماعات الإسلامية بطلب تشكيل زعامة جماعية فلسطينية بصورة فورية لملء أي فراغ يحدث في حال وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. على أن تضم الزعامة الجماعية الفلسطينية جميع المنظمات الوطنية والإسلامية الفلسطينية بما في ذلك حماس وحركة الجهاد الإسلامي .ولو أخذنا ردود الفعل الدولية حول الأزمة الراهنة سنجد أن الدول الأوروبية تؤكد على صعوبة المرحلة السياسية التي تمر بها فلسطين مع غياب الرئيس ياسر عرفات، وأن هذه المرحلة الحرجة تتطلب الوقوف والمساندة الدولية للفلسطينيين لعبورها. ولاسيما أن الإنتخابات الأمريكية إنتهت بفوز من وعد بقيام دولتين فلسطينية وإسرائيلة تعيشان بسلام وإنهاء الصراع التاريخي في المنطقة . ولكن الواقع الجديد يفرض على إسرائيل أن تقرر لنفسها قواعد سلوك جديدة ومختلفة عن السياسات السابقة سواء العسكرية منها أو التكتيكية والعودة الى المفاوضات مع السلطة الوطنية حتى تفوت الفرصة امام منظمتي حماس والجهاد الإسلامي للسيطرة على الأرض ومن هنا سيكون التدخل لفرض محمد دحلان الرجل القوي في قطاع غزة لمنع الزعماء المحليين من السيطرة الكاملة على الوضع الأمني المتدهور . وهدف إسرائيل أيضاً من وجود قيادة جديدة هو مكافحة ماتسميه الإرهاب ومايسميه العرب بالمقاومة المشروعة والهدف الآخر هو وقف تهريب السلاح والتحريض ضد إسرائيل بمساعدة القانون الأمريكي الجديد لمحاربة من يعادي السامية والهدف الثالث هو إثبات خطأ الإدعاء الذي يقول أن "عرفات وحده يمكنه أن يصنع سلاما حقيقيا مع إسرائيل" حتى تجذب قوى عربية لمفاوضات السلام عبر مؤتمر إقليمي دولي نادت به امريكا وأطراف أخرى لتحريك عملية السلام .

ولم يبق في ظل الأزمة الراهنة إلا صدور قرار من مجلس الأمن أين يدفن عرفات ومن يتولى قيادة الشعب الفلسطيني من بعده .

مصطفى بن محمد غريب
المملكة العربية السعودية  – الرياض
مجلة فلسطين - الاربعاء 10 تشرين الثاني 2004



No comments:

Post a Comment