Tuesday, November 3, 2015

الحلقة المفرغة كيف نكسرها؟

الحلقة المفرغة كيف نكسرها؟



الحلقة المفرغة كيف نكسرها ؟

يؤمن الكثير من الإقتصاديين بمباديء السوق الحر كوسيلة فعالة لتحقيق النمو الإقتصادي من خلال نمو القطاع الخاص وينصح العديد منهم بعدم تدخل الدول في فرض قيود عليه من خلال أنظمة وقوانين قد تكون ظالمة أو قاسية وبدلاً من ذلك يتم النصح والمشورة والتركيز على دعم  هذا القطاع في إيجاد التسهيلات اللازمة لينمو ويزدهر فينمو معه الطلب على الوظائف للتخفيف من معاناة العاطلين عن العمل وإيجاد فرص جديدة للخريجين ولكن مشكلة الإقتصاد في السياسة حيث يتدخل السياسيون لتحقيق أهداف سياسية قد تضر بالإقتصاد .

وتزخر كتب الإقتصاد بنظريات إصلاح سوق العمل ولكن الدارس لهذه النظريات يخرج بتصور شامل معتقداً أنه لايوجد حل واحد يحقق المعجزة ولا عصا سحرية تقلب الأحوال على رأسها وإنما كل الجهود يجب أن تدعم بعضها البعض وتسهم في تحقيق الهدف النهائي المتمثل في توفير وظائف للمواطنين تتميز بالنوعية العالية والرواتب الجيدة وطبقاً لقواعد دينامية السوق الحر التي تنص على إتاحة فرص العدالة والمساواة بين بين الجميع ومنها وظائف القطاع الخاص سواء للمواطنين أو للمقيمين حتى تكون المنافسة شريفة وبناء على الكفاءة والإنتاجية والتكاليف .

وعندما يكون آداء القطاع الخاص قوياً فحتماً ستخلق فرص عمل جديدة يتنافس عليها الجميع دون تفرقة أو تمييز بين مواطن ومقيم وبالتالي سنكتشف أن إستفادة المواطنين الخليجيين من ذلك النمو سيكون كبيراً وأن عدد الوظائف المتاحة لهم ستكون في إزدياد مستمر وبالتالي تزول معها النعرات الطائفية والقبلية وبزوالها يتحقق الإخاء والرخاء والنمو والإزدهار .

وإذا إستطاعت آلية السوق من رفع الحد الأدنى من الأجور من خلال مباديء العدالة الإجتماعية كي لايعتمد نموذج العمل في مشاريع القطاع الخاص على الوظائف منخفضة الأجر المتمثلة في العمالة الوافدة التي يعتقد أنها تحل محل العمالة المواطنة دون الإعتراف بدورها في نمو الإقتصاد وبالتالي يستطيع المواطنون أن يدخلوا سوق العمل من خلال قدرتهم على التنافس بنجاح على الوظائف الجديدة التي يفترض أنها تعتمد على الوظائف متوسطة الدخل أو مرتفعة الدخل ومن الإنصاف أن نقول أن دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بإقتصاد متنام لكن أغلب المواطنين لايرون فوائد هذا النمو.

إن نموذج مشاريع القطاع الخاص الحالية رغم تنام الإقتصاد الخليجي لن يستطيع توفير وظائف كافية للعمالة الوطنية والتي تقدر بعض الدراسات تعدادهم بمليون مواطن خليجي سيبحثون خلال السنوات العشر المقبلة عن وظائف جيدة الأجر وتحقق طموحاتهم .

ستواجه دول مجلس التعاون الخليجي زيادة في البطالة والبطالة المقنعة إذا لم يتم  إدخال إصلاحات كبيرة، ، فقد بدأت المشاكل في الظهور حالياً , ومستويات البطالة مرتفعة ومتواصلة في الإرتفاع في جميع دول مجلس التعاون الخليجي دون إستثناء ولكن بنسب متفاوتة من دولة الى أخرى وهي مرشحة للإرتفاع إذا لم يتم عمل شيء إزاء ذلك .

ومع أن هذه التوقعات مثيرة للقلق، إلا أنها قد لا تكشف بالكامل عن مدى خطورة المشكلة، ذلك لأنه من ضمن المواطنين الخليجيين العاملين اليوم ، يعمل ثلثهم في وظائف لا تفي بمستويات مهارتهم ، وستزداد هذه النسبة إلى معدلات أعلى بحلول الأعوام القادمة إذا بقيت الأوضاع الحالية على حالها.

إن التوقعات الاقتصادية مثبطة للآمال , وفي الوقت الذي حقق الإقتصاد الخليجي بعض النمو إلا أن متوسط أجر الطبقة العاملة من المواطنين تقلصت هذا يعني أنهم لا يستطيعون كسب دخل يتماشى مع تعليمهم ، وخبرتهم، وتطلعاتهم , والتضخم الإقتصادي بشكل عام , وإذا استمرت هذه التوقعات ومايقابلها من توجهات على حالها فقد ينخفض متوسط أجر الفرد رغم الزيادة في الرواتب التي حصلت في بعض دول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً .

إن جوهر المشكلة يكمن في أزمة الحلقة المفرغة , فماهي الحلقة المفرغة التي تتسبب في هذه المشاكل الاقتصادية الخطيرة ؟ وهل نستطع كسرها ؟ ويمكن تلخيص معنى الحلقة المفرغة بالقول إن القطاع العام تولى القيام بدور الراعي لمواطنيه خلال السنوات الماضية ، وبالتالي بات الخليجيون يتوقعون أن القطاع العام سيوفر لهم وظائف آمنة تضمن الأجور المرتفعة لهم ولأبنائهم دائماً. ونتيجة لذلك، لا تشعر إلا قلة من الخليجيين ، وخصوصاً الشباب منهم، بحافز قوي للبحث عن وظائف في القطاع الخاص .

وفي الوقت نفسه، يستند النموذج التجاري لمشاريع القطاع الخاص على أساس العمالة
الرخيصة منخفضة المهارات الوافدة من الخارج , ولا توجد إلا قلة ضئيلة من المشاريع
التجارية الخاصة التي تشعر بضرورة الاستثمار في تدريب المواطنين الخليجيين أو في إيجاد وظائف عالية الأجر لهم ، لأنه لا يزال من المربح لها الاعتماد على الأيدي العاملة الوافدة والرخيصة والمتوافرة بأعداد تكاد تكون غير محدودة , وبالتالي فإن ثلاثة من أصل أربعة من جميع وظائف القطاع الخاص يشغرها عمالة غير وطنية ، في حين لا تزيد إنتاجية العامل في القطاع الخاص عن ثلث معدلها في بعض الدول المتقدمة .

ولهذا فإن معدلات البطالة بين المواطنين ستواصل الإنفجار إذا تواصل الخلل في سوق العمل ومن أجل معالجة أداء القطاع الخاص المنخفض في إيجاد الوظائف للمواطنين الخليجيين ، تفرض الحكومات الخليجية عليه مجموعة من اللوائح التي تجبر المشاريع التجارية الخاصة، بموجب النظام والقانون، على توظيف المواطنين الخليجيين . وفي حين أن هذه اللوائح حققت بعض الفعالية في دعم توظيف المواطنين في المدى القصير ، فإنها تؤدي أيضاً إلى نتائج معاكسة على المدى الطويل .

فعن طريق هذه اللوائح والنظم تدير الحكومات الخليجية بشكل تفصيلي القرارات التي تتخذها المشاريع التجارية، مما يعيق قدرتها على النمو وإيجاد وظائف أكثر, علاوة على ذلك، فإن إدراك المواطنين الخليجيين أن الوظائف محجوزة بشكل محدد لهم، فإنهم لا يشعرون بضغط كبير لتحسين أدائهم، مما يؤدي إلى تخفيض معدلات إنتاجيتهم ويساهم في تشجيع تبنيهم لسلوك غير ملائم تجاه العمل، وذلك بدوره يجعل المواطنين الخليجيين أقل جاذبية كموظفين في المشاريع التجارية الخاصة.

وبالتالي ترتفع نسبة البطالة بين المواطنين الخليجيين الأمر الذي يجد القطاع العام نفسه مضطراً مرة أخرى لدخول سوق العمل وتزويد الوظائف لمواطنيه ولو على حساب الكفاءة والإنتاجية والتكاليف ، وتبدأ الدورة مرة أخرى في هذه الحلقة المفرغة , وإذا سمح لهذه الدورة بالاستمرار، سينجم عنها دوامة من تفاقم البطالة والبطالة المقنعة ، وانخفاض الأجور، والضغط على الموارد العامة في دول مجلس التعاون الخليجي , وقد يتحول الوضع إلى زيادة المشقة على المواطنين الخليجيين أو نقص في خدمات القطاعات الضرورية الأخرى .

وحتى لايصبح هذا أمراً واقعاً فلابد من كسر الحلقة المفرغة لتبدأ دورة إقتصادية حميدة وإن إحتاج الأمر الى العمل الشاق والمرونة وتبني سياسات يتكيف بموجبها المواطنين مع دينامية السوق الحر في مجابهة هذه التحديات فدول مجلس التعاون الخليجي جزء من هذا العالم ولاتستطيع أن تسير في عكس إتجاه التيار ولابد أن تدخل في تيار العولمة وسوق العمل الحر وأن تنضم الى منظمة التجارة العالمية وأن تطبق سياساتها ليكون المواطن الخليجي منافس في سوق العمل وفي الإنتاج دون الإعتماد على إعانات أو ضرائب تأخذ من الغير لتحسين ظروف تدريبه أو معيشته .

ولكسر هذه الحلقة المفرغة يستدعي من أصحاب القرار في دول مجلس التعاون الخليجي التفكر بعناية في النوذج الإقتصادي ككل وتركز على هدفين رئيسيين، من شأنهما أن يغيرا معاً آليات الاقتصاد الخليجي ودينامياته :
§               أولاً ، ينبغي أن يصبح المواطنون الخليجيون الخيار المفضل لشغل وظائف القطاع الخاص كما هو في القطاع العام , ففي حين يمكن للقطاع الخاص إيجاد وظائف جديدة من خلال المنافسة الكاملة ، فإن الخليجيين ، إذا عجزوا عن التنافس عليها بنجاح، لن يتمكنوا من الاستفادة من النمو المتحقق , وبمعنى آخر، يتعين على المواطنين الخليجيين ، مع تنوع مستويات مهاراتهم، أن يكونوا هم الخيارالحر والمفضل لنيل هذه الوظائف .

§               ثانياً ، ينبغي أن يصبح القطاع الخاص محرك النمو الاقتصادي , فإذا لم يعد القطاع العام قادراً على استيعاب العمالة الوطنية الجديدة أو جزء منها ، يجب أن يكون الخليجيون قادرين على التوجه إلى القطاع الخاص لتوفير الوظائف الكافية للخريجين والعاطلين عن العمل , ومن أجل تحقيق ذلك، ينبغي أن تتاح للقطاع الخاص الفرص والحوافز الضرورية لإيجاد نوعية الوظائف التي يرضى بها المواطنون الخليجيون وتلبي إحتياجات سوق العمل .

إنّ تبني هذين الهدفين معاً يمكن أن يضع دول مجلس التعاون الخليجي على بداية طريق الازدهار، وأن يوفر للمواطنين وظائف مجدية ويمكّنهم من تحسين نوعية حياتهم بشكل مستمر , ويذهب هذان الهدفان أبعد وأعمق من مجرد إجراء التعديلات الطفيفة على السياسات والأنظمة الحالية , فكسر الحلقة المفرغة يستدعي تغيير بنية سوق العمل  ونموذج النمو الاقتصادي ونموذج التعليم والتدريب ، وهو ما يتطلب إجراء إصلاح شامل ومتكامل لكسر الحلقة المفرغة فهل سيتحقق ذلك قريباً ؟ .

مصطفى بن محمد غريب 
الينوي - شيكاعو 
صحيفة الحقائق اللندنية 29-11-2005م

No comments:

Post a Comment