Tuesday, November 3, 2015

نهاية الحرب على الإرهاب وبداية حرب الأديان

نهاية الحرب على الإرهاب وبداية حرب الأديان


       
نهاية الحرب على الإرهاب وبداية حرب الأديان

لعل ما يشهده العالم من أحداث دامية متسارعة هو نتيجة مباشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م  التي غيرت العالم , ولاسيما أن القوة العظمى قد إستخدمت القوة بدون حكمة وتبعها في ذلك الكثير من دول التحالف وكأن أمريكا أجبرت على دخول الحرب دون أن تستعد لها من الناحية الإستراتيجية السيكولوجيه  فهل هي حرب ضد الإرهاب أم ضد العولمة أم ضد الأفكار داخل العقل البشري ؟ أم حرب الأديان ؟ .
وهنا نتساءل هل هذه الحروب تحتاج الى قوة عسكرية لتهزم أعدائها ؟ وأين مكانها ؟ ومتى تنتهي وفي أي زمان ؟ .
ولكن هناك من يدعي القول إن أمريكا دخلت الحرب على أفغانستان والعراق بمخطط مدروس وقد تدخل في حروب أخرى إذا لم تستجب الدول لرغباتها , فهذه الدول ( الولايات المتحدة ) لاتدخل الحروب بدون تفكير , فالحروب عادةً تنجم عندما تفكر احدى الدول لإثبات قدرتها وقوتها أو لإضعاف الطرف الآخر الذي يشكل تهديداً لها أو للحصول على أراضي لها طابع إقتصادي كمنابع النفط أو الثروات الطبيعية الأخرى أو منافذ بحرية أو أسباب أخرى قد تكون شخصية , وعندها تتصدى لها الدولة أو الدول المتضررة وتعارضها وتدخل في حرب معها سواء كانت متكافئة أو غير متكافئة .
هذا من الناحية السياسية التاريخية والجغرافية والإقتصادية , ولكن ماذا عن الناحية السيكولوجية في زمن بدأ الانسان الفرد يستعيد فيه قيمته من خلال العقل وقدرته على الفعل ورد الفعل ؟. وهي قيمة تتزايد في عصر الفضاء وتقنية المعلومات . مما أعاد للسيكولوجيا دورها عبر عودة القيمة الفردية . وذلك بعد أن بدأ الكلام عن نهاية السيكولوجيا باعتبار المجتمع البشري مقسم الى مجموعات تشترك في قالب سلوكي مشترك ترسمه الانثروبولوجيا.
ومعنى كلمة ((انثروبولوجيا)) الحرفي هو : تشبيه الله بالإنسان  والعياذ بالله ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) الأية الشورى (1)  . ولكن تطور معنى هذه الكلمة الى ((علم النفس الإنسانية)) ثم صارت تدل على عنوان علم فلسفي، لا يقتصر على البحث في النفس الإنسانية وحدها، بل يمتد إلى مسائل تتناول أحوال الجسم الإنساني، مثل: الجنس (ذكر وأنثى)، العمر، المزاج، الأخلاق، العرق، الخ . ودخل العلماء في هذه الحقبة في جدل ولن نتطرق إليه في مقال كهذا .
ولكن مايهمنا في ذلك هو العلاقة بين الحرب على الإرهاب وبين السيكولوجيا والإنثروبولوجيا
وبين الإنسان الذي يحمل فكره في عقله (سوياً كان أم مريضاً) يعايش البيئة المحيطة به على طريقته الخاصة. وبالرغم من وجود عوامل مشتركة بين جماعات البشر (الثقافة والتربية والدين وغيرها) فإن المعايشة تختلف من شخص لآخر , وإذا كانت معايشة الحياة قابلة لإيجاد قواسم مشتركة عبر النظم والمعايير الاجتماعية (بما يفتح الجدال عريضاً أمام احتمالات اختراقها بوسائل الإعلام وبالتالي عولمتها) فماذا عن معايشة الموت ؟
إن ثورة الاتصال وتكنولوجيا المعلومات والأحياء تقف عاجزة عن اختراق جدار الموت . وبالتالي فإنها عاجزة عجزاً مطلقاً عن عولمتها ! ؟. وهكذا فإن انتصارات العولمة تقف عند حدود المعايشة الذاتية للموت . أي الطريقة التي يتخيل فيها الفرد موته الشخصي . وإنفصال روحه عن جسده وما ستؤول إليه كل منهما.
وهذه المعايشة هي الأساس في تركيبة الجهاز النفسي للإنسان المدرك لمفهوم الزمان دون غيره من المخلوقات . كما أن هذه المعايشة هي الموجهة لغرائز الإنسان الطبيعية .
ومن هنا سنقرر سلفاً فشل الحرب على الإرهاب وبداية حرب الأديان كما فشلت الشيوعية والرأسمالية وندخل فلسفة النهايات كنهاية التاريخ ونهاية العولمة ونهاية الشيوعية ونقول نهاية الحرب على الإرهاب وبداية حرب الأديان , ونؤكد إن الحرب على الإرهاب ستنتهي لتبدأ مرحلة حرب الأديان , ولكن الإرهاب لن ينتهي ونعزي هذا الفشل الى تعارض هذه الحرب مع الغرائز الإنسانية وفي مقدمتها غريزة التدين والعبادة بغض النظر عن نوع هذا الدين ( إسلامي – مسيحي – يهودي أو غيره ) .
وبالتالي فإن الحرب على الإرهاب تحتاج الى إستراتيجية حوار لا إستراتيجية حرب .ومن هنا يدخل التفاوض في مقدمة الأساليب لتكوين إستراتيجية جديدة في الحرب على الإرهاب , والتفاوض الذي يعني اقرار جميع الأطراف بعجزها عن حل صراعها بالقوة . أو على الأقل اقرارها بفداحة الثمن الذي تتطلبه القوة لحل الصراع .
والتفاوض من السياسات التي تبناها القرآن في قوله تعالى ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) آل عمران الآية (67) .  
والعولمة ممثلة في الحرب على الإرهاب تعاني من إهمالها للغرائز الإنسانية وتجاهلها لها. فهي، أي العولمة، والبراغماتية المحركة  لها تستجيبان لغريزة الربح ولكنها لاتستجيب للغرائز الملحة الأخرى , وأن هذه الإستجابة للربح هي إستجابة ناقصة لأنها تقف عند حدود المنفعة ولا تتعداها إلى جوانب الربح المعنوي . وهذا ما يجعل العولمة تبدو هازئة من الضمير الأخلاقي ولاتريد التفاوض مع الآخر بل وتسخر من التفكير داخل العقل ومتصادمة معه ومع تجلياته الروحية والدينية التي تختلف من شخص لآخر .
وقد يستغرب القارئ محاولتنا جذب النقاش حول الحرب على الإرهاب الى العولمة إلى ساحة السيكولوجيا والأنثروبولوجيا وحصره في هذه الساحة . لكن هذا الاستغراب يزول عندما نعلم أن البراغماتية هي التي اختارت هذه الساحة .
إذ انطلقت من الإنسان وجعلته طموحها الفلسفي والمعرفي (ساخرة من الفلسفة التقليدية الباحثة في الكون والماورائيات والمجردات) ولقد اشترطت البراغماتية عبر مدرستها النفسية (المدعوة بالسلوكية) عدم التعاطي مع العقل ولا ضرورة للعبث بمحتوياته والاكتفاء بمراقبة سلوك وتصرفات صاحب العقل.
ولاننكر أن هذه الطريقة السلوكية قد تمكنت من تحقيق إنجازات هامة وتقديم حلول علاجية من الدرجة الأولى. لكن متاعب السلوكية بدأت مع تنامي قدرة أطباء الأعصاب على سبر أغوار الدماغ واختراقه , مما تسبب بإحراجات لا تحصى للمدرسة السلوكية ومعها البراغماتية. التي بدأت تضعف أمام تطورات التكنولوجيا الأحيائية .
وعندما توصلت أبحاث التصوير العصبي إلى تحديد مناطق دماغية مصابة فإنها توصلت بذلك إلى إحراج البراغماتية وتهديد منطلقاتها النظرية .
إلا أن هذه الأبحاث تجعلنا أكثر أملاً في التعرف إلى الإنسان وإلى طريقة عمل دماغه من خلال إيمانه بفكرة يريد تحقيقها وهنا نستطيع القول إن الإرهاب المتعارف عليه أمريكياً هو مجرد فكرة أو منهج وهنا يكون من الصعب محاربة الفكروالمنهج من خلال القوة المادية فقط بغض النظر عن توجه هذا الفكر .
وفي الإسلام  هناك الخوارج وهناك المعتزلة وغيرها من الفرق التي لن تنتهي إلا بنهاية العالم ولذا حذر الإسلام من محدثات الأمور وفي رواية عند النسائي :[ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ] وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني .  
مما تقدم يمكننا التذكير والتأكيد على مقولة :"…أن الموضوعية الحقة هي في إدراكنا للذاتية" وبالتالي فإن التعميم العشوائي الذي يتجاهل الذاتية هو تعميم لا يمت إلى الموضوعية بصلة . وهذا يستتبع التوقع بأن نتيجة الصراع محسومة لصالح العقل البشري أو الفكر بداخله ويؤكد الطب النفسي بأن كل مريض يهذي ويهلوس على طريقته الخاصة ووفق ذاتية هي كناية عن تراكم تجاربه المعيشة مع البيئية المحيطة به . وهو تراكم مخزون في دماغه . وهكذا يكون من الطبيعي أن نتوقع هزيمة البراغماتية وتراجعها. ولكن أيضاً احتفاظها بإغراءاتها وجاذبيتها.
لهذه الأسباب مجتمعة نجد الاختصاص ينظر ببرودة شديدة إلى عموميات من نوع : نهاية التاريخ والأيديولوجيا والأنثربولوجيا وصدام الحضارات… ألخ.
أنه الإنسان الذي يرتبط كماله بملكيته لكافة هذه المكونات المخزونة داخل العقل البشري ومايملك من أفكار وثقافات .
ومع ذلك فان السياسة لم تتوقف يوما" عن محاولات تسخير كافة العلوم لمصلحتها ومنها العلوم الانسانية . واذا كنا في مجال الحديث عن الحرب الأمريكية على الإرهاب ، المنطلقة من مبدأ حماية المصالح الأميركية من الارهاب ، فلا بد لنا من مراجعة محاولات توظيف السيكولوجيا في مجالات حل الصراع ومكافحة العنف والارهاب . وهي ميادين تبدو للوهلة الأولى متباعدة لكنها واقعا" مترابطة متلاصقة بفضل توظيفاتها السياسية وانحيازها لمصلحة الأطراف الأكثر تقدما" في مجال السيكولوجيا.
ما يسمى بدبلوماسية الأبواب الخلفية. فحين تغلق الأبواب الأمامية ( التفاوض السياسي) تفتح الابواب الخلفية عبر لقاءات المثقفين والاكاديميين. . وهنا نستشهد بقصة مروية على لسان القديس أوغسطين تلخص نسبية الارهاب وقدرة القوي على استصدار البراءة لارهابه . وهي قصة محاكمة الاسكندر للقرصان ودفاع هذا الأخير عن نفسه بقوله للاسكندر: " أنا أسرق سفينة فأدعى قرصانا" وأنت تسرق العالم فتدعى أمبراطوراً ".
وعليه فان هنالك ضرورة لايجاد معايير موضوعية لتشخيص حالات الارهاب بل وتعريفه . وأولى شروط هذه المعايير هو أن تكون عالمية , بمعنى قابليتها للتطبيق على الجميع , بهذا نكون قد وصلنا الى ضرورة المناقشة العلمية الهادئة لمفهوم الارهاب. وهي مناقشة تستبعد محاولات توظيف التفوق التكنولوجي العسكري والسيكولوجي للدول القوية ومن يمثلها من باحثين وعلماء.
فاذا ما أخذنا تلك الجزئية المسماة ارهاباً فاننا نجد أن الطرف المعتدي يعتبرها وسيلة للحصول على ما يعتبره حقاً من حقوقه , في حين يعتبرها الطرف المتضرر ارهاباً غير مبرر, وهذه سنة الصراع الانساني منذ بدء الخليقة وحتى اليوم وأول عملية إرهابية في التاريخ هي قتل قابيل لأخيه هابيل  التي ورد ذكرها في القرآن الكريم كأول حادثة إرهابية في التاريخ .
الا أن الحضارة الانسانية المعاصرة تمكنت من تقنين مسألة استخدام القوة عن طريق وضع القوانين الضابطة لهذا الاستخدام من خلال الأمم المتحدة وغيرها (تحييد المدنيين والحد من الضحايا البشرية، ومنع قصف المؤسسات الانسانية والمحايدة وتوابعها، تحريم الابادة ، بالاضافة الى القوانين التي تحاكم مجرمي الحروب…الخ) .
ويمكن القول بأن هذه الضوابط توصلت للحد من الاستخدامات المباشرة للقوة الى حد ما . الا أنها دفعت بالأقوياء لإبتكار وسائل جديدة لممارسة قوتهم بالطرق غير المباشرة وعن طريق الحروب المختلفة وغيرها من طرق استخدام القوة بالواسطة . حتى أمكن القول بأن كل هذه الصراعات هي ارهاب يقف وراءه الأقوياء عن طريق مرتزقة يخدمون مصالح هؤلاء الأقوياء.
وهي تهمة أميركية  نالت الدول الاسلامية منها نصيب الأسد , والتي كانت المقدمة لاتهام الاسلام بالارهاب وبداية حرب الأديان .

مصطفى بن محمد غريب
الينوي  – شيكاجو

No comments:

Post a Comment