Thursday, August 8, 2019

مجزرة واحدة لا تكفي



مجزرة واحدة لا تكفي

يبدوا أن إيهود أولمرت أخذ الضوء الاخضر من واشنطن نحو مزيد من المجازر ضد الفلسطينيين والدليل هو مجزرة شاطئ غزة التي سقط على إثرها ضحايا من الأطفال، وادعت إسرائيل إن ما حدث هو خطأ غير مقصود وسوف تحقق في الحادث، وإدعى المحققون الإسرائيليون إن الانفجار الذي وقع في شاطئ السودانية وأودى بحياة افراد عائلة فلسطينية نجم عن عبوة ناسفة زرعها نشطاء حركة حماس بهدف المس بقوات إسرائيلية خاصة تتوغل في الآونة الأخيرة في شمال القطاع.

وقال المحققون إن نتائج التحقيق تستند على شظايا الجسم المنفجر والتي استخراجها من جسد طفل جريح يرقد في مستشفى إسرائيلي ومن صور للحفرة التي تسبب بها الانفجار في الشاطئ , ولكن عاد وأقر الجيش الإسرائيلي بأنه أطلق عددا من القذائف المدفعية وأنه يحقق في إمكانية أن تكون إحدى القذائف هي التي أودت بحياة الفلسطينيين , وتهدف إسرائيل من نشر نتائج التحقيق إلى تغيير صورتها في العالم التي تضررت كثيراً في أعقاب الانفجار بعد تأكيد الفلسطينيين ووسائل الإعلام العالمية على أن القتلى الفلسطينيين سقطوا جراء القصف الإسرائيلي.

ولايملك الفلسطينيون والعرب سوى الإدانة والشجب والاستنكار للغارات الجوية التي شنتها الطائرات الإسرائيلية على مدينة غزة وبيت لاهيا وخلفت العديد من الشهداء والجرحى، وبالطبع تناشد المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف المجازر التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين العزل وتحمل مسؤولياتها تجاه ذلك.

هل ستكتفي إسرائيل بتلك المجزرة؟ بالطبع لا، وإنما ستقوم بمجازر أخرى، أما الولايات المتحدة فما عليها سوى أن تدعوا جميع الأطراف الفلسطينية لضبط النفس ولتحمل مسؤولياتهم تجاه الشعب الفلسطيني من خلال نبذ الخلافات فيما بينهم وتوفير مناخ آمن في الأراضي الفلسطينية، كيف سيكون هذا الجو الآمن وإسرائيل تضرب كل يوم المناطق الفلسطينية بعد انسحابها من قطاع غزة؟

توني بلير كان يدين الشعب الفلسطيني في كل موقف وبعد كل عملية ويؤيد إسرائيل ويؤيد كل القرارات التي تدعمها حتى رفض بلير وبوش تشكيل لجنة من الأمم المتحدة للتحقيق في مجزرة جنين وكان عداءهما مستفحلا على هذه الأمة واحتلالهما للعراق التي أدت الى مائتي ألف قتيل وتدمير العراق بشكل شامل، عوضاً عن الجرائم بحق المعتقلين، ونحن نتساءل ألا يكفي أن يكون هناك ردة فعل؟ 

بلير لأول مرة في حياته وبعد هجمات لندن قال آن الأوان لأن نعالج أسباب الإرهاب وربط ربطا واضحا بين المظالم العربية في فلسطين وبين ما حدث في لندن، كان بلير يقول للفلسطينيين لا تحلموا بدولة ما لم تتوقفوا عن الإرهاب، الآن انعكست الآية بلير بدأ يشعر بأن بريطانيا تجاوزت حدودها كثيرا.

طبعا هناك لا شك علاقة بين ما يحدث في العراق وفي فلسطين ولكن كيف الرئيس بوش الابن يقول " سننشر مبدأ المحبة مقابل مبدأ الكراهية “؟ ومازالت الطائرات تقصف وتقتل الآلاف من المدنيين أليس هذا إرهاباً؟ أم محبة!

يتجدّد الإحساس بالألم مع مشاهد سقوط الضحايا، أو صور تعذيب السجناء وهذا يعني أن ليس للألم ديانة سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية، فباتت المشاهد تختلط بعضها ببعض، كما بات من المستحيل الفصل بين هذه الموجة وتلك من موجات العنف والإرهاب، كما يريد كلٌّ من الطرفين المسؤولين عما يسمى الإرهاب أن يصنع، متجاهلا الرابط بين السبب والنتيجة، والفعل ورد الفعل.

إن ما حدث من أعمال عنف هي مسلسل طويل معروف، وإن ما حدث ويحدث في العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها هو إرهاب بمختلف المقاييس والمعايير الدينية والإنسانية، وبات القاسم المشترك هو دماء الضحايا، بغض النظر عن تفاوت التفاصيل والأعداد وآلية الدمار ومواقع المسؤولية.

كلما أسقطت عملية جديدة مزيدا من الضحايا من عامة البشر، مسلمين وغير مسلمين، في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، عاود المسؤولون كبارهم وصغارهم مع أتباعهم في وسائل الإعلام، تأكيد موقف ثابت لا يراد له أن يتغير، محوره "لن نخضع.. لن نذعن.. لن نتراجع أمام الإرهاب" وكأنها حرب بدأت دون أن تنتهي، وليس في موقع المسؤولية عن قرارات يترتب عليها ما يترتب على صعيد أرواح البشر وخسائرهم في ممتلكاتهم.

وليست القضية قضية خضوع وتراجع، إنما هي قضية "إستراتيجية خاطئة " جملة وتفصيلا، بتوجيه الضربات المضادة وفي كل اتجاه لتزداد وتيرة الإرهاب والعنف وبالتالي مزيد من الدماء وكأنها كرة ثلج لاتزال تكبر حتى تجعل العالم أكثر فقراً وأقل أمناً ويزيد انتشاره بدلا من القضاء عليه.

ويبدوا هنا أن الدول الديموقراطية وغير الديموقراطية قد اقتربت من بعضها البعض والذي دفعها الى ذلك حجة الحرب على الإرهاب وهنا ندعوا كل من يحرص على الأمن والسلام من عقلاء الديانات الثلاث أن لا يدفعوا من يقوم بهذا العمل الى مزيد من التطرف والعنف حتى لا يصبح الطرفين يعلم من يضرب من ولمصلحة من وهذا ما نسميه " الإستراتيجية الخاطئة في الحرب على الإرهاب “.

إن هذه الإستراتيجية الخاطئة قد تؤدي في النهاية الى حرب عالمية ثالثة ويعود العالم الى شريعة الغاب القوي يقتل فيها الضعيف فتنتهك المبادئ والقوانين الدولية والإنسانية ويزرع الرغبة في الثأر والانتقام، وتبدأ حملات التطهير العرقي أو الديني فتكون حرباً عالمية بين أصحاب الديانات الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية التي أصبحت تغذيها الحملات الإعلامية.  

إن من يسوغون العنف ومن يزعمون أنهم يحاربون ذاك العنف يتلاقون في أفكارهم بالافتراء والكذب على الشعوب ومنذ أن بدأت الحرب على الإرهاب ونحن نرى كل يوم قتلى وجرحى ودمار للممتلكات العامة والخاصة ومن المعروف أن الهدم أسرع من البناء وأن الدمار أسرع وأشمل من الإعمار فقنبلة ذرية واحدة حصدت مئات الآلاف من البشر وحرب عالمية حصدت الملايين من البشر والاعتداءات الإرهابية كلفت الدول مليارات في لحظات فالممتلكات العامة التي تبنى في أعوام تحصدها الأيدي الآثمة في دقائق معدودات.   

لذا سنكرر مقولتنا الشهيرة "الارهاب سيجعل العالم أكثر فقراً وأقل أمناً" لأن العداء مستحكم بين الحق والباطل وإن العلاقات الإسلامية مع الغرب وحوارها مع بقية الأديان تزداد سوءاً بعد إعلان الحرب على الإرهاب في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، بل وستزيد وتيرة الإرهاب.

وتأييداً لقولنا فقد كشفت دراسة أعدتها مؤسسة "هوملاند سيكيورتي ريسيرش" الأمريكية أن إنفاق العالم على مكافحة الإرهاب سيصل إلى 191 مليار دولار خلال 2006م، أما إنفاق الولايات المتحدة وحدها سيمثل 44% من هذا المبلغ أي ما يعادل 84 مليار دولار، وسيتضاعف الإنفاق على مكافحة الإرهاب 3 مرات خلال العقد المقبل حسب رأي الدراسة التي قدرت أن يصل الإنفاق العالمي على مكافحة الإرهاب إلى 350 مليار دولار في عام 2010م، و517 مليارا في عام 2015م. وقد تم وضع هذه الأرقام على افتراض وجود ما أسمته المؤسسة "توترا متواصلا" تجري خلاله عمليات إرهابية في مختلف مناطق العالم، وخصوصاً في فلسطين حيث تتبنى إسرائيل "مبدأ مجزرة واحدة لا تكفي".

مصطفى بن محمد غريب
الينوي – شيكاغو

صحيفة الحقائق اللندنية 15-06-2006م




No comments:

Post a Comment