Thursday, August 8, 2019

مقاومة الاحتلال... هرباً


مقاومة الاحتلال... هرباً
الرياض - مصطفى الغريب      الحياة     2004/10/31

ظاهرة "هروب الفتيات الى المدن المزدحمة" تعتبر ظاهرة اجتماعية خطيرة لم تلقَ اهتمام المجتمع الذي ابتلي بهذه الظاهرة. وقد يكون هذا الهروب صرخة تمرد في وجه الظلم الواقع على الفتاة من الأسرة والمجتمع على حد سواء. ويأتي هذا الظلم من الفهم الخاطئ للنصوص، ومن العادات التي تعشش في أدمغة وعقول أهل الفتاة الهاربة من محيط أسرتها أو قريتها الى المدن المزدحمة، وللتخلص من السيطرة الكاملة عليها. هذه المجتمعات لا ترغب في التنازل عن السلطة وحب الذات والأنانية والتصرف في مستقبل الآخرين.

لذا ستبقى المرأة تعيش تحت وطأة ظلم العادات والتقاليد والضغوط المتراكمة ضدهــا الى ان تنفجــر في وجه الطغيان. فمن وجهة نظر الذي يريد ان يبقى صاحب الرهبة والعظمة والاستبداد والتسلط والحكم واللعب بمقدرات المرأة، من يقف في وجه هذا الظلم يسمى ارهابياً. أما من يظلمها ويحكمها، فهو يحارب هذا التمرد والتحرر الذي يسميه مجازاً ارهاباً. وهـي ما إن يشتد ساعدها، تنفجر في مرحلة الشباب، كونها في هذه المرحلة تتميز بالحيوية والطموح والقوة والنشاط والاندفاع ورفض القيود. لذا نجد أطفال الحجارة أكثر جرأة على مقاومة الاحتلال الاسرائيلي.

وهذه الفتاة تعيش حياة حالمة الى ان تصطدم بالواقع الذي لا يمثل غير الظلم. فهو بعيد كل البعد عما تحلم به، والمثالية التي تود أن تعيشها، وفي هذه الحالة تعيش الفتاة حياة هامشية داخل الأسرة. فهي ليست موجودة بفكرها وروحها وانما بجسدها. ولهذا ينوب رب الأسرة عنها في تقرير شؤونها. فهي تعاني الاحتلال الجاثم على صدرها، والمهيمن على كل شؤونها. ولذلك لا تجد لها حلاً غير الهروب المتمثل في المقاومة لهذا الاحتلال المهيمن. ولا أحد ينكر أن من يريد أن يتولى المقاومـة لا بد من أن يتعرض للمخاطر. ولهذا فهي تقترب الى أول يد تمتد لها لتساعدها، بغـض النظـر عن كون اليد الممتدة لها نظيفة أم غير نظيفة. وهذا هو سبب الانحراف، أي عدم القدرة على التنبؤ بنظافة اليد الممتدة لها. ولذا نريدهـا ان تكــون صانعة قرار مستقبلها، وليست تابعة لقاهرهـا. ومن يكون صانع قرار فهـو يتحــمل نتائـج هذا القرار. وهذا هو الفرق بين المبتكر والمقلد.


صحيفة الحياة العدد                  31-10-2004م

No comments:

Post a Comment