Thursday, August 8, 2019

يطالب بهوية لينعم بالحرية



يطالب بهوية لينعم بالحرية    
  
تدعي الكثير من الدراسات بأن التجنيس في حد ذاته يؤثر على التركيبة الديموغرافية السكانية وبالتالي تتأثر وتؤثر في طبيعة المجتمع رغم التجاهل التام للعوامل الأخرى وتقوم الدول بناء على تلك الدراسات بإصدار قوانين تتشدد في منح صفة المواطنة ولم تقوم هذه الدول بتكليف جهة مستقلة تقوم بدراسة سلبيات تشددها هذا وإذ ننحي باللائمة على من يتشدد في ذلك حيث لا معنى لمن يقيم في دولة ما لعقود من الزمن دون أن يتمكن من الحصول على حق المواطنة أو حقوقه المشروعة من علاج وسكن وتعليم وأمن وغيرها.

ورغم أن الكثيرين من المطالبين بهوية مواطنة يشعرون بالانتماء والحب والولاء والوطنية ويرغبون في التخلص من العبودية إلا أن عدم التطبيق السليم لأحكام الشريعة الإسلامية التي ساوت بين البشر ولم تفرق يوماً بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى هي التي حرمتهم منها واستعبدتهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.  

والمشكلة التي يواجها المطالبين بهوية مواطنة في بعض الدول ليس في رغبته الحصول على دفتر إثبات هوية بقدر رغبته في العدل والمساواة في التعامل وعدم التعدي على حقوقه الإنسانية كما يطالب بأن يستفيد من الخدمات المختلفة التي ينبغي على أي دولة أن تقدمها للسكان بكل عدالة ومساواة ودون تمييز أو استثناء سواء كان مواطن أو مقيم لأنهم جميعاً يؤدوا ما عليهم من واجبات تجاه تلك الدولة حتى لا تكون التفرقة في المعاملة على أساس عرقي أو ديني في المجتمع والتي يرفضها الإسلام.

تذكرت كل هذا عند رؤيتي لمشاهد الحجيج في المشاعر المقدسة وكلهم سواسية كأسنان المشط، فالحياة في طبيعتها عبادة وعمل وهنا نود أن نتساءل هل التقييم الإلهي لهؤلاء البشر من قبل خالقهم بناء على هوية معينة أم بناء على رحمته التي وسعت كل شيء ومقدار العبادة والعمل الخالص لوجهه الكريم؟ ومن هنا يبدأ الخلل في التركيبة السكانية عندما تحاول الدول في سعيها الدؤوب لتبني سياسات للعمل بموجبها كي تستقر بزعمها نسبة من المهاجرين وتحددها بناء على قدرتها على الاستيعاب والاندماج وتبني سياسة سكانية بعيدة المدى تأخذ حتمية تجنيس عدد من المطالبين بالهوية الوطنية.

ومن هنا نشأت محدودية وقصور الفكرة المبنية على الجنس والعرق واللون والدين , ولو كان  الإسلام بني على هذا الأساس لما انتشر وعم أرجاء المعمورة ولما حضر لآداء المشاعر إلا من كان مواطناً أو من جنس أو عرق أو لون معين , كما لا توجد هناك هجرة لم تترك أثرا بشريا وثقافيا سواء حصل المهاجر على هوية هذا البلد أم لم يحصل , ولهذا نجد أن التشدد في تبني سياسات وأنظمة سوف تحد من الاستفادة من العناصر البشرية الفعالة مما سيحد من تقدم هذه الدول لأنها لم تحاول الاستفادة من هجرة العلماء وتعمل على استقطابهم بل وتوطينهم  .  

ولقد أوجد الإسلام سياسات مبنية على إستراتيجيات عالجت تماماً نشوء أي خلل سكاني ولكن بعد انهيار الدولة العثمانية نشأت دول إسلامية تطبق سياسات لا تخدم الوحدة الإسلامية والتضامن الإسلامي في كثير من السياسات والأنظمة والقوانين وبدأت تبعد شيئاً فشيئاً عن روح الإسلام الذي انعكس بدورة على السكان فازداد الخلل السكاني تفاقماً.

ولولا دعوة النبي إبراهيم لما نشأت مكة وازدهرت وخصوصاً بعد أن أصبحت قبلة المسلمين في عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ومن مكة انتشرت دعوة الإسلام بفضل الحرية والعدالة والشورى التي نادى بها الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان.

أما ما نسمعه في بعض الدول من التحذير من الخلل السكاني الذين يعرفونه بأنه ازدياد نسبة المقيمين الى المواطنين وهي تقسيمات حديثة حتى وصلت في بعض الدول الى الثلث أو أكثر من هذا المعدل بكثير أما نسبتهم الى إجمالي قوة العمل فتصل الى الثلثين وهذا ما يسمى بخلل سكاني في هذه الدولة أو تلك ويبدأ الحديث عن ضعف الولاء والانتماء واختلاف العادات والتقاليد واللغات والألوان فتبدأ النعرات التي حرمها الإسلام بقولة دعوها فإنها منتنة.

وتبدأ التفرقة في المعاملة بين هذه الفئة وتلك وتبدأ القوى العاملة تعيش في معسكرات العمل كأنهم أسرى حرب، فئة مستضعفة تخدم فئة مستكبرة، ويبدأ شيئاً فشيئاً يتفاقم الخلل السكاني وتبدأ أحداث عنف على مستوى فردي ما تلبت أن تكبر الى درجة التنظيم وتبدأ الجامعات والجهات الحكومية ودور الأبحاث بعمل الدراسات لرصد المشكلة وأبعادها على المستوى الرسمي والشعبي، وخصوصاً عندما تبدأ بوادر تراجع اقتصاديات الدول أو عندما يحدث فيها بطالة فيبدأ التمييز بين فئتين.

وتبدأ بعض الفئات بالمطالبة بتوطين الوظائف والحد من انتشار العمالة الوافدة دون النظر بعين الإسلام هل هذا جائز أم فيه تعدي على الحقوق الشرعية للمسلم ومن ثم نبدأ في الابتعاد عن روح الإسلام وسماحته، وعندما تعجز وتفشل الدول في ذلك تبدأ في مداراة الخلل أو إتباع سياسات خاطئة لعلاج المشكلة ويبدأ الخلل السكاني بالتأثير على الأمن القومي والإقليمي وتصبح المجتمعات طائفية تنقسم الى أصيلة ودخيلة.

وتبدأ المجتمعات الأصيلة تشعر بأنها مهددة بعد أن كانت مستكبرة وتنتشر البطالة بين هذه الفئة مما يؤدي الى تراجع قوة العمالة الوطنية مدعين بأن الوافدين قد أقصوهم وأزاحوهم عن الوظائف أو الأعمال مما تفسر بأنها ظاهرة خطيرة وأنها في تصاعد وتبدأ الطنطنة عن البطالة بين صفوف النساء بسبب ضيق مجالات العمل لهن، ويبدأ المواطن بتفضيل الانسحاب من سوق العمل بدلاً من منافسة الفئة الأخرى على وظائف غير مجزية الأجر بعدما كانت في ظل الإسلام فئة واحدة ويبدأ الحديث عن هوية شعوب المنطقة وكيفية المحافظة عليها.

وإذا أردنا الدخول في موضوع متطلبات إصلاح الخلل لابد أن نعود من جديد الى وقفة جادة وإعادة التفكير وتقييم للسياسات وتعاون إسلامي لإصلاح الخلل للتعرف على مدى إمكانية اندماج الفئتين لتصبح فئة واحدة كما نادى الإسلام بذلك منذ عدة قرون كما لم يكن في ذلك الزمان سماسرة للهجرة ومكاتب الاستقدام ودورها السلبي على جميع الأطراف والتي تساهم في عودة تجارة الرقيق من جديد.  

مصطفى بن محمد غريب
الينوي  – شيكاغو


صحيفة الشرق القطرية 18-01-2006م

No comments:

Post a Comment