Thursday, August 8, 2019

هل يصلح وزير خارجية ما أفسده وزير داخلية


هل يصلح وزير خارجية ما أفسده وزير داخلية


بعدما أفسد وزير الداخلية العراقي بيان باقر صولاغ علاقات بلاده مع دول الجوار أبدى هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي أسفه على ما فعل صولاغ من الهجوم الحاد الذي شنه على دول الجوار ولهذا قال زيباري "إن هذه التصريحات مؤسفة جداً، وغير موفقة إطلاقاً، أن تصدر من زميل لنا في الحكومة، خاصة أن وزير الخارجية ووزارة الخارجية هي المعنية في تحديد العلاقة مع دول العالم الخارجي وكيفية التعامل معها". 

وكان العراق تقدم بورقة عمل لوزراء خارجية دول السعودية، مصر، سورية، الأردن، الكويت، البحرين، والجزائر بصفتها رئيسا للجنة، جاء أبرز ما فيها مطالبة الدول العربية بإرسال بعثات دبلوماسية دائمة، وإدانة العنف الجاري على الساحة العراقية، وتأمين حدود الدول المجاورة للعراق.

تزامنت تصريحات صولاغ غير المبررة مع محاولات وزراء الخارجية العرب لحث الجامعة العربية لإصدار قرار لضرورة زيارة أمينها العام للعراق والالتقاء بالقيادات السياسية والحكومة في ظل المشاكل والتحديات التي تواجهه، وذلك لتحقيق وفاق وطني.

الجميع يعرف أن صولاغ بتصريحاته غير المسؤولة لا يمثل إلا نفسه، والجميع يعرف أن تصريحاته هي رد على انتقادات وزير الخارجية السعودي لتدخلات إيران المكشوفة في العراق، والجميع يعرف أن الوزير لا يمثل الحكومة العراقية، لكن المؤسف أن يتحدث الوزير العراقي بهذه اللهجة التي ينبغي أن تكون قد اندثرت بزوال نظام صدام حسين ولكن يبدوا أن الطبع غلب التطبع.

ونود هنا أن نسأل لماذا لا يتحلل صولاغ من عقدته؟ ويحاول أن يمتلك الشجاعة ويعتذر الى البدو فركوب الجمل ليست عيباً ولا نقيصة، ثم يعتذر لحمورابي الذي أساء إليه والى شريعته لأنه على ما يبدوا أنه لم يدرس هذه الشريعة أو لم يفهمها.

ونكرر الأسئلة ولماذا لم يقم صولاغ بتبرير الاتهامات التي نسبت إليه؟ عبر العديد من الصحف ومواقع الشبكة العنكبوتية من إطلاقه كافة المعتقلين الإيرانيين داخل السجون العراقية دون محاكمة على اختلاف أنواع جرائمهم.

إن حالة الفوضى التي يعيشها الشعب العراقي تدل بكل تأكيد على عدم قدرة وزير الداخلية ووزارته والمنسوبين لها في تحقيق الأمن والاستقرار وبالتالي يمكن لنا القول بأنه في ظل الفوضى الراهنة، وغياب الدستور المرفوض من قبل نسبة كبيرة من الشعب في ظل معادلة التوافق وغياب الرأي العام يصبح ارتكاب جرائم الفساد الاداري والسرقات والخيانة العظمى عمل يمارس بكل استهتار بالقيم والتشريعات ، وظهر ذلك جلياً من إتهام وزير سابق في ظل حكومة تحت الاحتلال ولهذا لن نستبعد أن يكون بعض القادمون الجدد أناس متعطشون للسلطة والمال .
 وعودة الى صولاغ وتصريحاته غير المسؤولة واقتراحاته غير الموفقة هناك اقتراح تقدم به لتغيير مفهوم العلاقات الدبلوماسية المتبع عالمياً بين الدول منها اقتراح " لتحويل عمليات الدخول - منح التأشيرات - الى وزارة الداخلية لا الى وزارة الخارجية كما هو معمول الان في جميع دول العالم ".

وكأنه بهذا الاقتراح يلغي دور مهم من أدوار وزارة الخارجية وكأنه يريد أن يستولي على قرارات الخارجية أيضاً أو يريد أن يقوم بعمل الوزارتين في آن واحد ولا أفهم كيف يفكر وزير الداخلية الحالي، وهو من المؤكد أنه يعرف قبل غيره أن من مصلحة العراق الجديد أن يكون مستقراً لا يعادي أي دولة لأن معاداة واعتداءات نظام صدام حسين على الكويت هي سبب رئيسي في احتلال العراق.

ومن الأخطاء التي مازال صولاغ يبتكرها هي دعوته لوزراء الداخلية العرب لزيارة بغداد لعقد قمة أو لتنظيم مؤتمر أمني في بغداد يحضره وزراء الداخلية في الدول المجاورة وعدد من الدول العربية والاجنبية، وهو يعلم قبل غيره أن الأمن في العراق بشكل عام مفقود فكيف سيحافظ على أمن هؤلاء الوزراء وهذه الوفود، إنها نوع من المكابرة أو المغامرة التي لا يستطيع أن يوافق عليها أحد.

ونستمر في مسلسل القرارات غير الموفقة وهي المحاولات الجادة لتغييب الكلمة الصادقة والإعلام النزيه الذي يصور الأحداث في العراق والمآسي التي تتعرض لها بعض طوائف المجتمع في كل مكان منه تحت غطاء محاربة 'الإرهاب'، فقد أصدر قراراً وزاريًّا لعناصر الشرطة العراقية باعتقال من أسماهم الصحفيين المحرضين على 'الإرهاب', والذين يعملون في وكالات إعلامية أو صحف مناهضة للعراق.

ومن الأساليب المكشوفة التي قام بها الوزير هو ما أسماه عمليات التطهير والتغييرات في وزارة الداخلية وقال انه سيباشر وفريقه الخاص " في تحقيقات واسعة في عمليات فساد إداري ومالي وتجسس لمصلحة الإرهابيين. " متهماً بعض المسؤولين بنقل معلومات خطيرة الى الإرهابيين" ولهذا يقول الوزير " سنباشر فوراً بإقالة هؤلاء لأن ذلك يسهم في إحلال الأمن بسرعة. "

وحري بمن لديه مشاكل داخلية ألا يقوم بمحاولة افتعال مشاكل خارجية فإصلاح البيت من الداخل أفضل من التصريحات لاستعداء دول الجوار ولهذا يجوز لنا القول إن من جاء مع قوات الاحتلال أو ساهم في تواجدها أو تحفيزها لغزو العراق هم من أحفاد ابن العلقمي ولكن من هو ابن العلقمي؟
إن العوامل والأسباب التي أدت لسقوط بغداد في أيدي قوات التحالف استفزت الذاكرة لتستدعي من خلاياها معلومات وأحداث حفرت في ذاكرة بغداد ومنها حدث سقوط بغداد سنة 656 هـ 1258 م، في قبضة البرابرة التتار الذين أبادوا أهلها ودمروا حضارتها وأحرقوا مكتباتها وكان ذلك الاجتياح بعد أن تسلط على حكومة بغداد في حينها عميل يسمى (ابن العلقمي) كان وزيراً للخليفة (المستعصم) فسرح الجيش وظلم الناس وعزل الخليفة عن الرعية.

كاتب ابن العلقمي التتار وتعاون معهم ليستولوا على بغداد وزين لهم غزوها فلما قدموا وحاصروها خرج للتفاوض معهم واتفق معهم على مؤامرة تسليم بغداد واستباحتها وأخرج لهم الخليفة والعلماء بخدعة منه لهم فقبضوا عليهم وقتلوهم وفتح لهم أبواب بغداد وأسوارها ففعلوا فيها الأعاجيب وما أشبه الليلة بالباحة فما حصل بعد الاحتلال من تدمير ونهب وإشاعة للفوضى والقتل وسرقة المتاحف لهو غزو منظم مبني على إستراتيجية بعيدة المدى للعراق ولعموم المنطقة وما كان لهذا أن يحدث لولا صنيعة أحفاد ابن العلقمي الجدد.

ان التاريخ سوف لن يغفر لأولئك الذين استثمروا مأساة العراق ووظفوها لخدمة أهداف قصيرة المدى ذات رؤية قاصرة ومحدودة، ولهذا برزت دعوات لوضع استراتيجية ذات ابعاد متعددة ومستويات مختلفة للتحرك العربي لمساعدة العراق للخروج من هذا المأزق.

ولكن تصور الوزير صولاغ لدور الجامعة العربية وعلاقتها المستقبلية تجاه العراق‏,‏ هو مازال في مرحلة العتب الشديد على الجامعة العربية لأنها حسب قوله كانت تتعامل مع النظام السابق ولم يسمح على حد تعبيره للشعب العراقي ولممثليه ـ ولو مرة واحدة ـ حتى في اللجان التابعة للجامعة العربية مثل‏:‏ لجان حقوق الانسان وغيرها أو التعامل مع القوي الوطنية والإسلامية في المعارضة العراقية‏,‏ كما حصل في التعاون والتفاهم مع قوي المعارضة العربية الأخرى.

‏ومازال الوزير صولاغ يردد بأن الشعب العراقي ترك بيد الجزار والديكتاتور وعاني ما عاني‏,‏ واستخدم النظام الأسلحة الكيمياوية ضد شعبه‏,‏ ولم نسمع صوتا من الجامعة العربية‏,‏ ولو يؤبن هؤلاء الشهداء الـ‏5‏ آلاف الذين قتلوا من المسلمين الأكراد‏,‏ ولم يؤبن الشعب العراقي عندما قتل‏400‏ ألف في انتفاضة مارس‏1991م ,‏ بالتعاون بين النظام وبين الولايات المتحدة الأمريكية الذي سمحت له باستخدام كل أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه‏,‏ لذلك لدينا عتب شديد علي الجامعة العربية‏ كما يصرح.
‏ومن تصريحاته أيضاً وتصوره لطبيعة العلاقات العراقية في الفترة المقبلة‏,‏ خصوصا مع دول الجوار‏:‏ إيران وسوريا والكويت وتركيا والسعودية‏,‏ أوضح أنه عندما تركنا العراق كنا نحو‏4‏ ملايين مهاجر‏,‏ لم نجد دولة من دول العالم تستقبل اللاجئين العراقيين سوي سوريا‏,‏ وايران منذ‏1980م‏ إلي‏1990م,‏ حيث كان العالم كله مع صدام حسين ماعدا هاتين الدوليتين‏ ونسي الوزير أن هناك كانت مخيمات لللاجئين العراقيين في شمال السعودية والتي كانت تحت إشراف الأمم المتحدة ولا ينكر هذا إلا جاحد ومن يوجه التهديدات اليوم لسوريا هو حاقد .

وتكلم الوزير عن دور مصر ولم يتكلم عن دور الدول الأخرى التي قدمت النصائح المتكررة والمبادرات بل ويقول في أحد تصريحاته بالحرف الواحد " لقد الرئيس المصري الكثير في الوقت الذي يندر فيه أن يقدم رئيس عربي أو أوروبي ذلك بشكل علني‏,‏ عندما نصح رأس النظام بضرورة تنحيه أو ضرورة محاولة حل هذه المشكلة‏,‏ وهذا كان محل إعجاب المعارضة العراقية والشعب العراقي" وفي ذلك تجني على محاولات ومبادرات زعماء الدول الأخرى.
‏وعليه نستطيع أن نستنتج أن من ينكر مجهودات ومبادرات الآخرين لا يتصف بالعدل والإنصاف بل وفيه تجني على أصحاب تلك المجهودات وبالتالي هل يصلح وزير الخارجية ما أفسده وزير الداخلية؟ 

مصطفى بن محمد غريب
الينوي – شيكاغو  


موقع العربية نت الإلكتروني الاحد 16 أكتوبر 2005م، 13 رمضان 1426 هـ

No comments:

Post a Comment