Thursday, August 8, 2019

متى ينتهي إرهاب المنتجعات السياحية؟ (الحلقة الثالثة)


متى ينتهي إرهاب المنتجعات السياحية؟ (الحلقة الثالثة)
في الحلقة الثانية ذكرنا بعض المعلومات التي يمكن تلخيصها في ما يلي : فشل المجتمع الدولي في الاتفاق على تعريف شامل للإرهاب , آثار الإرهاب السلبية على الاقتصاد وعلى الرعايا المسلمين في الدول الغربية , إتهام الجماعة الإسلامية بالتخطيط للسيطرة على دول جنوب شرق أسيا , المنظمات التي تتآمر على المصالح الأمريكية تصنف على أنها منظمات إرهابية , توحد رابطة دول جنوب شرق أسيا لمحاربة الإرهاب , عوامل الارتباط بين الجماعات الإسلامية والعمليات الإرهابية على المنتجعات السياحية والنوادي الليلية , السياسات الخاطئة في معالجة أسباب الإرهاب , الأساليب الرخيصة من كلا الأطراف لجني فوائد على حساب ضحايا أبرياء . 
في هذه "الحلقة الثالثة" سنقوم بتسليط مزيد من الأضواء على هذه الظاهرة التي شغلت العالم وبثت الرعب في قلوب الملايين من البشر وما زلنا في جنوب شرق أسيا نستعرض أهم العمليات الإرهابية التي هزت العاصمة الأندونيسية وفي فندق ماريوت وقد نفذ هذا العمل الإرهابي إندونيسي بشاحنة محملة بالمتفجرات وتأتي هذه الأعمال من ضمن الهجمات على الأماكن السياحية الهامة في إندونيسيا.
هذا الحدث الكبير قد أدى الى التعاون بين العديد من الدول لكشف الغموض الذي يكتنف حوادث من هذا النوع ولهذا أرسلت أستراليا فريق تحقيق يضم 22 خبيراً جنائياً لمساعدة السلطات الأندونيسية في تحقيقاتها بشأن انفجار فندق ماريوت في العاصمة.
ويؤكد خبراء الإرهاب أن جميع العمليات الإرهابية التي حدثت هنا وهناك وستحدث في أماكن أخرى من العالم ستنتهي الى طريق مسدود لأن الإرهاب عبر العصور لم يحرر شعباً ولهذا يجب أن نفرق بين العمليات التي تقوم بها حركات التحرر الوطنية والتي تعارف العالم على تسميتها مقاومة وإن لجأت الى الكفاح المسلح أو أي وسيلة من وسائل المقاومة المشروعة التي بالتأكيد ستنتصر في نهاية المطاف.
ويؤكد خبراء حركات التحرر على أن أهم عوامل النصر هو وضوح الهدف ووجود قيادة حكيمة تلتف حولها الجماهير للمؤازرة والعمل الجماعي لتحقيق هذا الهدف والصبر عبر مراحل النضال الطويلة والشاقة لمقاومة الاحتلال ولهذا نجد أن الحركات التحررية تقاوم على أرضها لضرب أعدائها حتى تحقق الاستقلال.
ولهذا كان من الضروري أن يصل العالم الى تعريف متفق عليه للإرهاب وتعريف متفق عليه للمقاومة على ألا يتم الخلط بينهما لأن نهاية الإرهاب خاسرة ومندحرة ونهاية المقاومة رابحة أو منتصرة وعليه سنصل الى فرضية تقول إن نتائج الإرهاب خاسرة ونتائج المقاومة رابحة.  
ويمكن القول إن الوسائل غير المشروعة لا يمكن أن تحقق أهدافاً مشروعه ونستطيع أن نتنبأ بأن العمليات التي تقوم بها القوى الاستعمارية وخارج حدود أراضيها لتعلن الحرب على العالم وضد مبادئ الأمم المتحدة وضد التاريخ لا يمكن أن تنتصر في تلك الحرب مهما طال الزمان أو قصر ومهما كانت قوتهم ووسائل القتال لديهم وقوتهم التدميرية حتى وإن لجأوا الى القنابل النووية والتكتيكية والعنقودية وغيرها وينطبق نفس المعيار على الأعمال الإرهابية التي تقوم بها منظمات أو أفراد.
ومهما بلغت غطرسة القوى الاستعمارية فإنها في النهاية إذا لم تحكم صوت العقل واستمرت على اتخاذ قرارات ترضي غرور القادة المتعطشين للدماء والانتقام لابد أن تهدد القوانين والأعراف والتقاليد التي تحكم العلاقات الدولية بالانهيار وبدأنا نرى بوادر هذا في القرارات التي اتخذت بحجة محاربة الإرهاب وإن تعارضت مع التقاليد والأعراف الحضارية التي تنادي بحقوق الإنسان.
ولهذا يصبح مصير العالم في ظل النظام الدولي الجديد ونظام مكافحة الإرهاب الدولي الجديد والذي سيتم تعميمه على جميع دول العالم لتكميم الأفواه التي تنادي بالعدالة والديموقراطية والحرية مهدد بأن يكون أسير فوضى سياسية مدمـرة، لن يستطيع أحد أن يتحكم باتجاهاتها أو يتنبأ بنتائجهـا التي ستخلف الهول والدمار في جميع أرجاء العالم بما فيها الدول العظمى التي تنادي بتحرير العالم من الظلم.  
إن أي دولة كبرى أو عدد قليل من الدول والتي تعارف عليها بالمتحالفة تحاول أن تمرر مخططاتها للهيمنة على العالم والتحكم في موارده الاقتصادية أو تقنين معدلات نموه بهدف تحقيق السيادة ما هو إلا شكل جديد من أشكال الهيمنة والسيطرة والاستعمار والتي لن تقبل بها شعوب الدول المستهدفة ولهذا نجد أن تاريخ الحروب العالمية ما كانت إلا للسيطرة على أكبر عدد من الدول وأكبر مساحة ممكنة من الأراضي والبحار والأنهار أو للتحكم في مصير الشعوب.
وإذا أرادت الدول حقاً محاربة الإرهاب فما عليها إلا أن تعطي اهتماما كافياً للبحث عن الأسباب المؤديـة لظاهرة الإرهاب، في الوقت الذي ينبغي التركيز على المسائل الأمنية والدفاعيـة، لتحمي مواطنيها من شرور هذا الإرهاب وأن تعتمد على ثلاث أنواع من الخطط وهي خطة إستراتيجية وخطة تكتيكية وخطة عمليات أي خطط طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى.
ويمكن القول بأن العمليات الإرهابية التي تحدث في أي مكان والتي يجب أن تشجب وتستنكر لأنها تنطوي على دلالات ومؤشرات ومضامين وتبعات خطيرة ينبغي على الدول التي تحاربها وأن تستوعب جميع هذه الدلالات والمؤشرات كما ينبغي أن تأخذها في الحسبان قبل إقدامها على تنفيذ التهديدات التي تصدر عن المسؤولين في لحظات انفعال.
وعودة على تفجيرات منتجع بالي السياحي التي أوقعت تلك الخسائر الفادحـة في الأرواح من المدنيين الأبرياء، والتي تعتبر عملاً إرهابيا ينبغي استهجانه وشجبـه والتصدي له، لا يمكن أن يكون الإرهاب - بمعناه المجرد - هو الهدف النهائي من ارتكابهـا، كما لا توجد أسباب ذاتيـة على ذلك القدر من التطرف والقـوة لا يمكن أن تدفع كائنـاً من كان لارتكاب مثل تلك الأعمال الفظيعـة، ما لم تكن لديه من مشاعر اليأس والإحباط والشعور بالقهـر ما يبرر له ارتكابها.
وكان من أهم نتائج تلك الاستنتاجات أن اقترح عدد من الباحثين والخبراء وبينهم العديد من الخبراء الأميركيين إعادة النظر في التعامل مع مشكلة الإرهاب من خلال دراسات معمقة لمعرفة طبيعة الظاهرة والأخذ بعين الاعتبار التعامل مع المطالب السياسية التي تطالب بها الجماعات الإرهابية ولا يعتبر ذلك إذعاناً لتلك الجماعات وإنما مراجعة عقلية لتلك المطالب فمنها أشياء يمكن قبولها واشياء لا يمكن قبولها ولهذا يحدث شيء من التوازن وقال دهاة العرب "حب راس تريد قطعها".
ودعا الخبراء في مناسبات عديدة إزاء ما اعتبروه فشل "الحرب على الإرهاب" إلى التعامل مع الإرهاب من زاوية جديدة، موضحين أن الجماعات الإرهابية وأنصارها يعبرون من خلال الهجمات عن مطالب معينة أو رفضهم لتصرفات معينة وقد حان الوقت للنظر فيها لمعرفة طبيعتها وأسبابها ومدى الأخذ ببعض منها.
ولا شك أن تنامي اندلاع أعمال العنف بجميع أشكاله إنما يتم في ظل غياب العدل والمساواة بين البشر وفي ظل حكومات مركزية ضعيفة أو قوات احتلال أو حكومات تحت الاحتلال وقد يكون بسبب التحدي للحس الديني وإثارة للفتنة الطائفية سواء في هذه الدولة أو تلك تحقيقًا لمصالح فئة على حساب فئة أخرى في استغلال الثروات أو توزيعها.
ويمكن تشبيه الشارع الإندونيسي الذي يعاني من القهر والفقر بالشارع الفرنسي في الضواحي الفقيرة التي وصفها وزير الداخلية الفرنسي ساركوزي بالحثالة قد فاقت من مرقدها وثارت ضد الظلم والعنصرية والفقر وهي أحياء كانت ساكنة في مظهرها ولكن عندما ازداد الكيل قد تحولت الى شيء آخر لم تستطع الحكومة الفرنسية من إخماد جذوة العنف إلا بعد الوعد القاطع من رئيس الدولة ورئيس الوزراء بالقضاء على الظلم والعنصرية ولذلك يجهل أعداء الإنسانية الذين يتشدقون بحقوق الإنسان أن ثورة الإنسان تتحول الى بركان إذا شعر بالخطر من التطاول على القيم التي تنظم حياته أو يؤمن بها .
ويوجد في إندونيسيا جماعات مختلفة التوجهات ويتزعمها مواطنون إندونيسيون سواء كانوا من أصول عربية أم غير عربية وهذه الجماعات تحظى بالدعم المادي والمعنوي من كبار الجنرالات الموالين لأنظمة سابقة، ومن هنا نستطيع القول بأن هناك علاقات ترتبط ببعضها البعض لابد من دراستها بشكل مستفيض حتى نستطيع الإجابة على سؤال متى ينتهي إرهاب المنتجعات؟
مصطفى بن محمد غريب
الينوي – شيكاغو
صحيفة إيلاف الإلكترونية 03-12-2005م


No comments:

Post a Comment