Thursday, August 8, 2019

العلاقة المتغيرة بين العمالة الوافدة والبطالة



العلاقة المتغيرة بين العمالة الوافدة والبطالة

كتبت العديد من المقالات وعملت الكثير من الدراسات والأبحاث ودارت اجتماعات على أعلى المستويات بخصوص الإجابة على سؤال كيف نقضي على البطالة ؟
وتعلمنا فيما سبق أن معرفة الأسباب تكون بمثابة الفرضيات التي يمكن من خلالها إيجاد حلول لكثير من المشاكل ومنها مشكلة البطالة وتعرضنا في مقال سابق الى بعض أسبابها وذكرنا منها ثقافة العيب وأزمات الخليج المتعاقبة والعمالة الوافدة وضعف الاستثمار وندرة رأس المال والركود الاقتصادي وضعف المبادرة الفردية وسوء التخطيط التعليمي وازدياد النمو السكاني وعدم تنظيم سوق العمل والتباطؤ التنموي في النشاط الاقتصادي واتجاه كبار المستثمرين الى سوق الأسهم والسندات والقيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية وهروب رأس المال الوطني الى الخارج  ومافيا التأشيرات وهناك أسباب عديدة أخرى .   
ولهذا نجد أن هناك أكثر من حل ولكن في نفس الوقت لن يكون هناك حل واحد يمكن أن يحقق الهدف المنشود بين عشية أو ضحاها ولاسيما أنها تراكمات للعديد من السنين , وكما استمرت الدراسات والنظريات والأبحاث الاقتصادية منذ القرن الثامن عشر الى الآن وهي تبحث في الإجابة على سؤال لماذا تقوم التجارة بين الدول ؟
ونشط العلماء والمفكرين وكثرت النظريات وحتى الآن لم نجد نظرية واحدة متكاملة تجيب عن هذا السؤال ولكن في الوقت نفسه تطور علم الاقتصاد واستحدثت النظريات والتجارة بين الدول تطورت بل ومازالت قائمة وسوف يدور الجدل هنا وهناك وكل من يدلي بدلوه يعتقد أنه قد أجاب على هذا السؤال ونسي قول الشاعر " قل للذي يدعي في العلم معرفة * علمت شيئا وغابت عنك أشياء" .
وهنا تكمن طبيعة البشر التي مهما اجتهدت في العلم والمعرفة إلا أن الأعمال البشرية لا تخلوا من العيوب والنقص وكلما اقترب العبد من الربط بين العلوم بشكل عام وبين العلوم الشرعية صار أقرب الى الصواب والى الشمولية .
ومن بين القضايا الجدلية والتي تبدوا للبعض منطقية إلا أنها قد لا تكون كذلك وهي الربط بين حجم العمالة الأجنبية وبين البطالة المحلية وكأنها السبب الوحيد وتجاهل العديد من الأسباب المذكورة أعلاه . 
فمثلاً ينظر أحد الناس الى مهنة معينة أو نشاط معين ويجد أن من يسير هذا النشاط عمالة غير وطنية فيفترض أنه لو قامت الدولة بترحيل القائمين على هذا النشاط من غير المواطنين لتوفرت هناك فرص عمل بمقدار ما يتم ترحليه من هذه الفئة وفي ذلك النشاط ولكن الأمر ليس كذلك .
وعلى سبيل المثال لا الحصر سائقي الليموزين ومحلات بيع الذهب ومحلات بيع الخضار والعديد من المهن التي تنوي هذه الدولة أو تلك حجبها عن غير المواطنين ولكن تبقى البطالة قائمة وهناك من  يتهم هذا الوزير بالتقصير أو ذاك الكاتب بأنه غير وطني أو ذاك التاجر بأنه غير مبال ويقع الجدل وتدور نقاشات حامية نتائجها تعود الى تقصير هذه الدولة أو تلك ومنهم من يحمل التقصير الى الأشخاص العاطلين عن العمل أنفسهم ومنهم من يرجع ذلك الى التجار والمستثمرين .
ومن ضمن الأسباب السالفة الذكر هناك ما يسمى بمافيا التأشيرات أو اللوبي المؤثر في هذا المجال وتحدث عن ذلك وزير العمل السعودي بأن قال مرة في إحدى المقابلات " حول الوقوف فى وجه مافيا التأشيرات .. وتقليص حجم العمالة .. والقضاء على البطالة .
ورداً على سؤال بخصوص تفريغ المجتمع من كل ما هو اجنبى ، فأجاب معاليه  الحقيقة ، أن المحاولة اكثر تواضعا من ذلك بكثير جدا ، هناك الآن 8.8 " ثمانية ملايين وثمانمائة الف مقيم اجنبي فى المملكة ، منهم قرابة 7 سبعة ملايين عامل والباقي من اسرهم ، وهذا العدد يصل الى نصف عدد المواطنين السعوديين ، تقريبا .
اذا استمرت النسب السابقة لتدفق العمال الوافدين كما كانت عليه ، فسوف يقترب عدد الوافدين من عدد المواطنين شيئا فشيئا ، واذا لم تتخذ اجراءات فعالة لوقف هذا المد فسيتجاوز عدد الوافدين عدد المواطنين ، كما حدث فى بعض اجزاء من الخليج لا  اظننى بحاجة الى ان اشرح مخاطر هذا الوضع من كافة النواحي ، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية ، هدفنا الان هو تخفيض الجالية الاجنبية بحيث تصل نسبتها الى ربع المواطنين ، وذلك خلال 15 سنة ، حتى هذا الهدف المتواضع يبدو صعب التحقيق .
كم اتمنى من الذى يتصدون لبحث هذا الموضوع ان يدركوا ابعاده وخطورته بدلا من تدبيج مئات الصفحات فى انتقاد هذا القرار الجزئي او ذاك ، قلت واكرر ، أن أمامنا قرارات أليمه ، وكل اصلاح هو عملية مؤلمة ان كل وضع راهن يتمتع بحماية من " لوبى" – واذا اردنا ان نغير الاوضاع الراهنة الى ما هو احسن فعلينا ان ندفع الثمن : لابد ان يتضرر " اللوبى " ولا بد ان يصيبنا بعض الضرر من ردود فعل اللوبى هذه سنة الحياة ، وهذه سنة الاصلاح . " انتهى كلام معالي الوزير . 
ولكن قبل الخوض في تفاصيل ذلك ينبغي علينا أن ندرس بعض الجوانب الأخرى المرتبطة بالموضوع نفسه وما تبثه بعض وسائل الإعلام عن أن مستقبلنا بأيدي الوافدين وبعض الخبراء بدأو يحذرون من جيش من الشباب "من كل بلدان الشرق الأوسط" الذين بدأوا يلتحقون بقطار الباحثين عن عمل، وهذا القطار سيشمل مئة مليون شاب بعد عقد من الآن .
مدعين بأن القطار قد انطلق وهو يتقدم نحونا ولا يمكننا تجاهله وهناك من يقول بين الحين والآخر أن لكل منطقة خصوصيتها ، ومنطقتنا الخليجية تواجه خطرا حقيقيا من نوع آخر يتمثل في إحلال شعب وافد محل الشعوب الخليجية الحالية.
وكأن هناك غزو منظم واستعمار جديد قادم ليس له هوية أو جنسية كالإرهاب تماماً والبعض يضرب الأمثلة على ذلك بارتفاع نسب العمالة الأجنبية مقارنة بالعمالة المحلية وكأن العمالة الأجنبية التي ساهمت في بناء الكثير من دول الخليج متناسين خدماتهم السابقة وأنهم لايزالون يعملون في بناء هذا الوطن أو ذاك وسبحان الله الناس تفسر الأشياء حسب رغباتها .
فمثلاً في الأردن الذي يعتمد جزء من مصدر الدخل لديه على الطلبة الوافدين للدراسة في الجامعات الأردنية نجد هنا أن الكتاب والاقتصاديين والإعلام يروج الى زيادة هذه الفئة لآنها دعامة للاقتصاد الوطني فكيف الوافد هنا أصبح عنصر دعم للاقتصاد وفي الحالة السابقة العمالة الأجنبية تسيطر على سوق العمل وتسيطر على الاقتصاد وينبغي محاربتها أو الحد من تواجدها .
مثال آخر : هناك توجه عالمي الى جذب الاستثمارات الأجنبية لما لها من آثار إيجابية على اقتصاديات الدول , لذا نجد أن المسؤولين في دولة ما وإعلامها يروج لجذب الاستثمارات الأجنبية بل وبعض الدول تعطيهم مميزات وإعفاءات ضريبية تصل الى حد 10 سنوات .
وفي الوقت نفسه نجد في مكان آخر من الصحيفة نفسها أن العمالة الأجنبية نهبت البلد وحولت ملايين الدولارات الى الخارج  وفي صفحة ثالثة ننادي بالسياحة ونشجعها لما لها من أثر على جلب العملات الصعبة التي تعتبر مصدر من أهم مصادر الدخل .
فما هذا التناقض الذي نعيشه ؟ .
وكيف نريد أن نجذب هذا المستثمر الأجنبي وهذا السائح الأجنبي ونطرد هذا العامل الأجنبي أو نقوم بترحيله أو إنهاء خدماته , وهناك الكثير من الأنظمة ترحب بالعامل الأجنبي ولا ترحب بعائلته وتسن القوانين التي تحد من استقدام زوجته مثلاً ثم نطالع يومياً في وسائل الإعلام عن وجود أماكن دعارة قام بها أجانب وتم القبض عليهم ويستحق رجال الأمن البواسل الشكر والدعم على القيام بهذه الحملات التي يقومون بها لقطع دابر الفساد ممثل في هذه الفئة التي تقتات على الرذيلة.
ولكن في نفس الوقت ينبغي ألا نتناسى الحاجات الإنسانية للغرائز البشرية التي فطرنا الله عليها ونعمل على تسهيل الاستقدام المشروع لقضاء الحاجات الإنسانية المشروعة المبنية على الفطرة السليمة ولاسيما أن هناك حالات عديدة لا يستطيع الشخص أن يستقدم عائلته إلا بواسطة التي قد تفتح أبواباً للرشوة .
وعود على ذي بدء نجد أن هناك تصريحات للعديد من الوزراء والمسؤولين أن نسبة العمالة الوافدة الى الخليج تزداد سنوياً بمعدل 5% وأن هناك 12 مليون وافد يعيشون في الخليج والجزيرة العربية .
وهناك من صرح علناً من أن الوافدين سيتمكنون من الوصول الى مناصب وزارية وقال بالحرف الواحد " وتتصور الحكومات الخليجية أن هذا بعيد عنها، ولكن بعد عشر أو عشرين سنة سيصبح لزاما عليها الالتزام بالمنظومة الدولية للحقوق، شاءت أم أبت. ويذكر أن بعض الدول الخليجية تعرضت لمساءلة لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة خلال الأعوام الماضية بشأن الحقوق المدنية للأقليات المحرومة، ومنها العمالة الوافدة." وسنكمل في مقال آخر .

مصطفى بن محمد غريب
الولايات المتحدة الامريكية - مينسوتا


No comments:

Post a Comment