Thursday, August 8, 2019

لماذا لا يتخلى العرب عن الطائفية؟


لماذا لا يتخلى العرب عن الطائفية؟

مما لا شك فيه أن المجتمعات العربية تتكون من شعوب وقبائل وھذا البعد الطائفي يعطل بناء الأمة والديمقراطية، وھو ما تسعى إليه الدول الكبرى حين تتعامل مع الدول العربية على أساس طائفي، وأبرز مثال على ذلك قيام مؤتمر المصالحة بين العشائر العراقية بمباركة أمريكية بهدف للقضاء على أعمال العنف التي تزداد وتيرتها يوماً بعد يوم،
والمثال الآخر ھو ما يحدث ھذه الأيام في لبنان بهدف تحويل الخلاف السياسي الى صراع طائفي سني شيعي ماروني درزي. لقد أدى التعامل الغربي تحت ھذه المسميات الى التدخل في شؤون الدول والشعوب في المنطقة العربية ومن خلال ممثلي الطوائف والعشائر أو من يدعون تمثيلها، ويتضح ذلك جلياً في لبنان الآن لتقف عقبة أمام الديموقراطية وإلى تسهيل إعادة إنتاجها كوحدات سياسية، أما باقي الدول العربية فيتم التعامل معها كطوائف وعشائر ومذاهب تنفي الصفة القومية والإسلامية عنهم، وتنفي بالتالي الصفة السياسية لمجتمعاتهم وتقصره على العشيرة أو المذھب الذي تحول إلى طائفة سياسية، كما تنفي حقهم كقومية إسلامية على الأرض العربية.
ويمكننا القول أن الدول الغربية ھي التي تقف حجر عثرة في طريق توجه الدول العربية نحو الديموقراطية وعملية بناء الأمة العربية الإسلامية ، وإلى فرد ينتمي إلى مجتمع، ومواطن إلى جماعة سياسية ودولة، وليس ھذا بجديد وإنما منذ أيام الاستعمار وبالتحديد منذ معاھدة "سايكس بيكو" التي قامت في الأساس التاريخي على تفتيت الأساس الجغرافي والتاريخي والديموغرافي الممكن الأمثل لبناء الأمة ألا وھو الوطن العربي الكبير من خلال دولة الخلافة الراشدة وسعت منذ ذلك الحين الى تقسيم جغرافية المنطقة بالمسطرة والقلم من خلال خطوط مستقيمة ثم اعتمدت في بنية الكيانات السياسية الناشئة الى كيانات عضوية قائمة من نوع القبيلة والعشيرة والطائفة مانحة إياها مصادر قوة جديدة عبر الجيش والدولة والوظائف وغيرھا.
نحن ھنا لا ننكر وجود الشعوب والقبائل حيث يقول لله تعالى "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند لله أتقاكم" ، ولكن مهمة بناء الأمة والديمقراطية لا تتم عبر استنساخها وإعادة إنتاجها كوحدات سياسية ، فهذا تفتيت للأمة وإجهاض لعملية بنائها ، ولكن وجود التقسيمات الطائفية والعشائرية لا ينفيها بل يؤكد ضرورتها والحاجة إليها , طبقاً للمنهج الرباني السالف الذكر , وھذا ھو التحدي أي العمل على تحويل الطوائف والعشائر إلى وحدات سياسية تأخذ مكان أو تجهض النعرات الطائفية الزائفة والتي تنم عن جاهلية والتي عبر عنها محمد صلى لله عليه وسلم حين قال "دعوھا فإنها منتنة" لأنها تمثل برنامج إعاقة يعمل على تشويه كيان ھذه الأمة ، وقد يعني تداعي التعددية إلى حروب أھلية وأمم متصارعة وقبائل متناحرة .
إن ما يحدث اليوم أشبه بالبارحة ففي لبنان قامت حرب أھلية طائفية امتدت الى ثلاث عشر عاماً وفي الأردن قامت حرب أھلية في أيلول الأسود عام 1970 م , وما يحدث في العراق ھو بداية حرب أھلية طائفية مقيتة بسبب الغزو الأمريكي عام 2003 م , كل ھذا بسبب زرع إسرائيل في قلب العالم العربي وإن كانت إسرائيل قامت ككيان استعماري يرى نفسه كحركة قومية تقوم على إيديولوجيا علمنة شعوب المنطقة وتبعدهم عن الانتماء الديني وإن كانت تريد لنفسها أن تصبح دولة يهودية خالصة على أساس ديني فما ھذا التناقض الذي نراه يحدث في ھذه المنطقة من العالم .
ولكي تنجح إسرائيل في مسعاها ھذا فقد بدأت تقسم سكان البلاد الأصليين إلى "عرب ودروز وبدو"، أو تسميهم "أبناء الأقليات"، وتدرسهم تاريخهم على ھذا النحو، في إسرائيل "منهاج تعليم درزي" يدرس للدروز فقط، وبدون ذلك ما كان ليدوم فصل العرب الدروز عن بقية العرب في الخدمة العسكرية الإلزامية.
ومنذ العدوان الثلاثي على مصر دخلت إسرائيل بعقليتها الاستعمارية ھذه إلى اللعبة الإقليمية كدولة حولت الانتماء الطائفي إلى أمة سياسية تشكل أساسا للكيان السياسي، للدولة , وھذا ما أثار ودغدغ مشاعر بعض الحركات الأصولية في المنطقة ليعزز انتصارها عام 1967 م حجج ھذه القوى ضد الأنظمة العربية "العلمانية" التي ھزمت في حربها مع إسرائيل وكأن انتصار إسرائيل أصبح انتصار جير لبعض الحركات الأصولية التي كانت تتأبط شراً بالأنظمة الثورية العربية وتريد ضعفها لتأخذ دورھا في الساحة السياسية دون أجندة واضحة لمقاومة الاحتلال .
واستمرت التحالفات الإسرائيلية كعقيدة مع بعض الدول والحركات السياسية في محاولة لإقامة حزام أمني حول المنطقة العربية، مثل الحركات الكردية وإيران واثيوبيا ضد العرب في زمن شاه إيران وھيلاسيلاسي إمبراطور الحبشة وغيرت من ھذه التحالفات حيث وقفت مع اريتيريا ضد أثيوبيا ومع المسيحيين في لبنان ضد الفلسطينيين عندما حدثت مجازر صبرا وشاتيلا ومع الملك حسين ضد ياسر عرفات في أيلول الأسود ومع الأكراد ضد صدام حسين ، ولازالت تلعب على توسيع ھذه التحالفات على أساس إثارة النزعات القبلية والطائفية في المنطقة العربية لإتمام وتوسيع مفهوم الأقلية الدينية السياسية .
وعندما تغيرت الأنظمة في بعض تلك الدول بدأت تتغير التحالفات كما أسلفنا فعندما جاءت الثورية الإسلامية في إيران أصبحت إيران ھي العدو وبدأت إسرائيل تبحث عن تحالفات جديدة من خلال قنوات اتصال مع بعض دول الخليج،
وإن كانت ترغب في فتح قنوات اتصال أخرى مع باقي دول الخليج العربي واليمن والعراق فهل ستنجح في ذلك أم ستفشل؟
الأمر يعتمد على تقاطع المصالح بين الدول ففي لبنان تريد إسرائيل أن تدعم حكومة السنيورة بمساعدة ومساندة ومباركة دول عربية لتمرير مخططها في المنطقة حتى لا تكون لبنان حاضنة للمقاومة الفلسطينية بل تريد نزع سلاحها، وفي سوريا تريد إسرائيل أن توقع معها اتفاق سلام على غرار ما حدث مع مصر والأردن لمنع تواجد أي
قواعد للمقاومة الفلسطينية فيها لتبدأ تلعب على وتر الطائفية ھناك فيما بعد وھي الطائفة الدرزية والعلوية والشيعية الجديدة التي بدأت تتشكل في سوريا بعد مقاومة حزب لله لأعتى قوة إقليمية في المنطقة.
إن ھناك في إسرائيل من ينظر للتحالفات على أساس طائفي وقد تم تصنيفها على اساس أنظمة ديكتاتورية سنية معتدلة، ضد "الديمقراطية الإسلامية" في إيران والتي تريد أن تصدر تجربتها الى كل من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وباقي دول الخليج، والتي سوف تجلب إسلاما سياسيا معاديا لإسرائيل، ولهذا نسمع بين الحين والآخر التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل فالبعض يعتبر المواجهة مع إيران قادمة لا محالة.
ولهذا يجب المسارعة في استغلال الوقت لتحييد العالم العربي، والأداة البديهية لذلك ھي انتزاع الصراع العربي الإسرائيلي كأداة تعبئة من أيدي إيران، وھدمه كجدار واق من حول إيران، وذلك بالتوصل إلى تسوية مع العرب والتعامل بجدية مع مبادرة السلام العربية التي تريد أن تنهي قضية الصراع العربي الإسرائيلي لعزل الموقف الإيراني المتصاعد في المنطقة.
والسؤال الآن ھل ستنجح كل من أمريكا وإسرائيل لدفع سوريا للتخلي عن التحالف الإيراني؟، في مقابل إعطاءها دوراً إقليمياً وانسحاب مشروط من ھضبة الجولان بحيث توقع على تخليها نهائياً عن دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية مقابل تسوية غير عادلة تمرر المخطط المذكور أعلاه؟
في الحرب السادسة على لبنان كان سقف المطالب الإسرائيلية ھو القضاء على حزب لله بالوسائل العسكرية ولما اتضح أن ذلك غير ممكن بدأت سقف المطالب تقل وأصبح الهدف ھو أن يضعف حزب لله بحيث لا يبقى دولة داخل دولة وبعد أن اتضح أن ھذا السقف غير ممكن بدأت تعمل إسرائيل من خلال حلفائها لتقوية حكومة السنيورة لتقف في وجه حزب لله ولهذا يمكن القول إن تحقيق ھذا المطلب ھو مصلحة إسرائيلية قبل أن تكون مصلحة عربية. وھنا نجد أن إسرائيل مازالت تلعب في الساحة العربية واللبنانية لتأخذ بالسلم مالم تأخذه بالحرب فهي تريد لبنان أن يتخلى عن المقاومة وتريد من سوريا أن تتخلى عن المقاومة وتريد من حماس أن تتخلى عن المقاومة وھي بهذا تريد أن تمحو كلمة "مقاومة" من قاموس الصراع العربي الإسرائيلي لتبدأ تلعب على وتر الطائفية التي تفجر الحروب الأھلية لتكون إسرائيل ھي الرابح الوحيد في تلك المنطقة.
ولهذا ليس مستغرباً من وجود قلق إسرائيلي من ھذا التحرك الشعبي السلمي في لبنان وصرحت علنا بأنها ترغب في مساعدة حكومة السنيورة ولو بالمساعدة في الانسحاب من مزارع شبعا وقرية الغجر لأنها تضمن العودة إليها فيما بعد في ظل حكومة لبنانية ضعيفة لا يكون لحزب لله القول الفصل فيها لأن ھذا الحزب أثبت أنه قوة لا يستهان بها في المنطقة كمقاومة شعبية تعمل على زعزعة ھيبة إسرائيل في المنطقة وھي حركة المقاومة الوحيدة التي كانت قادرة على ضرب إسرائيل في العمق من خلال الصواريخ القديمة المتهالكة فما بالك حين تحصل على صواريخ جديدة متطورة وبنفس مستوى الأداء النضالي والقتالي والبطولي لمقاتلي حزب لله.
ھذا الحزب الذي تخلى عنه العرب في وقت الحرب قد خرج أقوى مما كان عليه قبل الحرب ولهذا فهو يطالب بحقه الشرعي لتغيير الدستور وتغيير القانون الانتخابي طبقاً للقاعدة الشعبية التي يتمتع بها لأنه أثبت عملياً منذ العام 1948 م أنه القادر الوحيد على الدخول في حرب مع إسرائيل ومقاومتها بشجاعة وبسالة قيل عنها إنها مغامرة غير محسوبة واتضح أنها مغامرة محسوبة حتى لوشنت إسرائيل حربها القادمة في الصيف القادم كما عبر عنها أولمرت بالجولة الثانية الآتية التي لاريب فيها.
ولهذا نختم مقالنا بالقول لماذا لا يتخلى العرب عن الطائفية؟ طالما أنها تخدم مصلحة العدو الإسرائيلي وتعمل على تفتيت كيان الأمة! .

مصطفى بن محمد الغريب
الينوي - شيكاغو


No comments:

Post a Comment