Thursday, August 8, 2019

فك الارتباط وحقوق الإنسان


فك الارتباط وحقوق الإنسان

تعقيباً على مقالنا المعنون ب"فك الارتباط والانتفاضة" والذي يتلخص في فيما يلي : 
أن حصة الأسد من نصيب أبناء الضفة الشرقية على حساب أبناء الضفة الغربية, وأن هذه العلاقة غير المتكافئة أتاحت للحكام ممارسة السلطة الاستبدادية الظالمة وكأن كل دولة ملكية خاصة تابعة لهم يتصرفون بها كما يشاؤون وهم السادة وغيرهم العبيد كما أنهم قدموا التنازلات المستمرة للدول الكبرى الداعمة لإسرائيل , وأن استقلال العرب وتحررهم مرهون بإعادة الارتباط بين الضفتين وفك الارتباط مع القوى الكبرى الداعمة للكيان الصهيوني حتى تتغير المعادلات السياسية .

هذا وإن كنا نؤيد قرار إعادة الارتباط بين الضفتين فهو من باب إعادة اللحمة الى الشعب الواحد وتوحد رؤاه وأهدافه ومصيره المشترك , ونظرنا للموضوع بعين الواقعية إذ ركزنا على الحرمان من الهوية والحرمان من التعليم ومعاملتهم معاملة الأجنبي بل أقل درجة من ذلك , حيث لا يستطيع أن يسجل مشروعاً باسمه ولا حتى بيتاً يأوي إليه , وسيستمر الوضع الى أن يقوموا بانتفاضة جديدة تطالب بالعدل والمساواة في الحقوق والواجبات . 

وذكرنا أنه لا تكاد توجد عائلة في الضفة الغربية إلا ولها امتداد في الضفة الشرقية وكذلك عائلات وعشائر الضفة الشرقية كان لها امتداد في الضفة الغربية وان أكثر الاستثمارات المتبادلة بين الضفتين تعود لهذه العائلات والعشائر وهناك تداخلات وتشابكات كثيرة اخرى كافية للتأكيد باستحالة الفصل بين الضفتين بل حتما ستعود وتصبح ضمن حدود دولة واحدة رغم أنف الكثيرين . 

أما في هذا المقال فسنحاول تسليط الأضواء على طعن هيئة حقوق الإنسان الأردنية بقرار فك الارتباط والرد على الذين يتمنون بالقول أن "لا عودة عن قرار فك الارتباط" , وعلى الرغم من وضوح تصريح وزير الداخلية بهذا الشأن إلا أن الأماني التي تدور في مخيلة البعض هو الذي يشوه تعليمات الوزير ويفرغها من مضمونها وقرار فك الارتباط هو في حقيقته مجموعة التعليمات التي أدت خلال قرابة عقدين من الزمن الى ماصرنا إليه من سلبيات ومظالم تنتج عن تطبيق هذه التعليمات وما كان يعنيه الوزير هو تعديل تلك التعليمات لتلافي السلبيات والمظالم لتمحو آثار ما ترتب أو سيترتب وينتج عن تطبيق تلك التعليمات من ظلم وسلبيات.

وهذا ما أكدت عليه هيئة حقوق الإنسان الأردنية التي أصدرت قراراً بإعادة الجنسية كحق دستوري وقانوني وشككت بقانونية قرار فك الارتباط وتأثيره على سحب الجنسية حيث أكدت على أن الجنسية تقرر وتسحب بموجب القانون المنبثق عن الدستور وليس بموجب قرار إداري ووضعت دليلاً قانونياً ودستورياً لاستعادة الجنسية لمن فقدها من المواطنين بموجب الإجراءات التعسفية التي اعتمدت على قرار فك الارتباط ونحب هنا أن نذكر بالمادة (5) من الدستور الأردني التي تؤكد على أن الجنسية تمنح وتسحب بقانون وليس استنادا الى قرار إداري كقرار فك الارتباط مثلاً .

ومما سبق يتضح أنه تم سحب الغطاء الشرعي عن قرار فك الارتباط مما سوف يثير جدلاً واسعاً على المستوى السياسي والبرلماني والدستوري ولكن هذا الجدل سوف ينتهي إذا تم اعتماد الدراسة القانونية المتأنية التي أعدتها هيئة حقوق الإنسان الأردنية المدعومة من الملك عبدالله الثاني شخصياً ويرأسها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات الذي كان أيضاً رئيساً سابقاً للمخابرات , وسوف يكون هناك صعوبات بالتشكيك بهذه الدراسة وخلفياتها ودوافعها .

وبناء على كل ما تقدم يمكننا القول بأنه يتوجب على كل متضرر أن يلجأ الى القضاء ليستعيد جنسيته أو يستردها بقوة القانون بل ويطالب بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء ما أطاحت تعليمات فك الارتباط بحقوقه الدستورية وعلى أساس تعليماته سحبت الجنسية وما ترتب عليها من آثار ونتائج خطيرة .

ونتمنى أن يعود أصحاب الجوازات الملغاة بسبب قرار وتعليمات فك الإرتباط والتي قدر عددها خلال تلك الفترة بأكثر من مليون ونصف المليون جواز الى استلام الجوازات البديلة والتي تعبر عن الهوية الأصيلة لا أن يكونوا من الدرجة الثانية أو الثالثة أو ما شابه ذلك , أما بعض التقديرات فقد قارب العدد المليون وثمانمائة ألف جواز سفر.

ولا أريد أن يتخيل القارئ أن المشكلة هي جوازات وإنما إشكالات تكاد تكون متفاقمة طبقاً لملف كل جواز علماً بأن هناك قضايا عديدة سجلت بشأن هذه الجوازات لدى محكمة العدل العليا .

ولا نريد أن تكون حلول الهيئة على أساس حالات إنسانية فهم مواطنون شاء من شاء وأبى من أبى فهي قضية امتدت لأكثر من ثمانية عشر عاماً ولن تحل في عام أو عامين أو غيرها ولا نريد أن يكون كلام الوزير وتوصيات الهيئة والدراسة القانونية التي انبثقت عنها مجرد ذر للرماد في العيون وإنما تحول حقيقي في الفكر تجاه المآسي التي عانى منها مواطنون ليس لهم ذنب إلا اختلاف بعض القيادات السياسية فيما بينهم ونتائج هذه الاختلافات جاءت على رؤوس المواطنين المهمشين من الرأي ومن كل شيء .

فمعاناة الفلسطينيين من جراء قرار فك الارتباط كثيرة لا يستطيع أحد أن يحصيها ولكن يمكن تسليط الضوء على الكثير منها وعلى القارئ أن يتخيل النتائج الخطيرة التي ترتبت عليها ونذكر البعض منها على سبيل الأمثلة وليس على سبيل الحصر فمنها نشوء ظاهرة البدون في الأردن والأضرار التي لحقت بهم وبأبنائهم , وكذلك تم إبعاد عدد من الأفراد الذين يقيمون بالأردن بشكل دائم والمتزوجين من أردنيات .

لقد سحبت وثائق لأشخاص مولودين في الأردن ورفض وزارة الداخلية منح الجنسية لكثير من الفلسطينيين المقيمين على أراضيها وفقدان أبناءهم الأوراق الثبوتية لإثبات شخصياتهم واسترداد الجوازات الممنوحة لهم تاركين أزواجهم وأبناءهم بسبب سحب الوثائق التي كانوا يحملونها وتعطلت سبل حياتهم ومعيشتهم وهذا فيه انتهاكات واضحة وإهدار لحقوقهم الإنسانية والحرمان من التعليم والعلاج والحرمان من التنقل بين المحافظات هذا عوضاً عن الحرمان من التنقل خارج الحدود وكذلك حرمان الشخص من العمل وحق العيش مما ترتب على ذلك أضراراً نفسية مادية ومعنوية .

ولا نريد أن نزيد على ذلك ولكن ندعوا القارئ أن يتخيل كيف يمكن أن تؤدي سحب الوثائق الرسمية من جوازات وهويات أحوال مدنية وأرقام وطنية ووثائق الإقامة ورخص قيادة السيارات وغيرها من أضرار .  

مصطفى بن محمد غريب
الينوي - شيكاغو

No comments:

Post a Comment