Thursday, August 8, 2019

غزوة كوبنهاجن (الحلقة الرابعة)


غزوة كوبنهاجن (الحلقة الرابعة)

ومع استمرار التفاعل العربي والإسلامي والعالمي مع قضية الرسومات الكاريكاتورية في الصحيفة الدانماركية والتي مست مشاعر المسلمين نستكمل ما بدأناه في الحلقة الماضية بعد أن نلخص أهم ما جاء فيها : الانتقادات العالمية الواسعة , دور المنظمات الأوروبية لحقوق الإنسان , قيام العديد من الشخصيات اليهودية والمسيحية والعلمانية بالإدانة والاستنكار , الدور الذي يتوجب على سفراء الدول الإسلامية القيام به , مطالبة الحكومة الدانماركية بمحاكمة كل من أساء الى الرسول , المطالبة بتفعيل قرار الأمم المتحدة بخصوص حقوق الإنسان وسن قوانين لإ حترام الأديان والرموز الدينية  , المقاطعة وأثرها , التعاون مع لجنة الدفاع عن النبي , دعم اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء , اتخاذ تدابير لعلاج الأزمة بعيداً عن العنف , إنشاء منظمة إسلامية للمقاطعة .  

وفي هذه الحلقة سوف نستعرض أهم ما تداولته وسائل الإعلام حول تطورات القضية , ابتداء من مطالبة ملكة الدانمارك بالتصدي للإسلام , ودعوتها إلى مساعدة المسلمين لفهم لغة الآخر وتأكيدها على أنه يجب أخذ التحدي الذي يشكله الاسلام على محمل الجد , جاء ذلك في كتاب حمل اسم مارغريت والملكة هي رئيسة الكنيسة الانجيلية-اللوثرية التي يتبعها 85% من سكان الدنمارك البالغ عددهم 5.4 ملايين نسمة .

ولقد أعربت الدول العربية والإسلامية عن استنكارها وشجبها للرسوم الكاريكاتورية التي مست ذات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأهم أسباب الاستياء كان لعدم رغبة الحكومة في احتواء الموقف مما أدى الى شعور عارم بالغضب واحتجاجات من كل أنحاء العالم الإسلامي , والغريب في الأمر أن التصريحات التي صدرت عن مختلف الفعاليات تبدوا متناقضة فقد أيد رجال دين حملة المقاطعات إلا أن البعض الآخر منهم اعترضوا على المقاطعة ولقد عبر بعض المثقفين العرب عن المقاطعة بالقول إنها أسلوب عاطفي، لذا ينبغي على المسلمين أن يسعوا إلى إيصال صورتهم بملامحها الحقيقية، لا كما يصورهم الخطاب الإسلامي المتطرف , كما تمكن مستخدم للإنترنت يطلق على نفسه اسم (030 مقاطعة) من تدمير موقع مجلة "يوري بوستن" الدنماركية على الانترنت، ووضع الشهادتين احتجاجا على نشر صحيفة دنماركية رسوما مسيئة للرسول.

وأعربت منظمة المؤتمر الاسلامي عن "خيبة الامل" من رد فعل الحكومة الدنماركية, معتبرة ان شتم الانبياء يتناقض مع حرية التعبير وان على من قام بالإساءة "تقديم اعتذار واضح جلي" لـ1,3 مليار مسلم. وأعلن وزير الخارجية الايراني انه كتب الى نظيريه الدنماركي والنرويجي معترضا على نشر رسوم كاريكاتورية "سخيفة وتثير الغضب", تعتبر اهانة للمسلمين. 


الكل يتذكر رد فعل الأوروبيين النارية على تعليقات الرئيس الإيراني ضد اسرائيل، حيث اتحدوا جميعهم على كلمة واحدة مفادها وجوب ادانة الجمهورية الإسلامية , والكل يتذكر كذلك رد فعل العالم اجمع ضد طالبان عندما قامت بتدمير التماثيل .

إن بعض الدساتير الغربية تحرم الإساءة الى جميع الاديان ناهيك عن الاسلام الدين الثاني بعد المسيحية في معظمها , فلماذا لا تتخذ إجراءات صارمة عقابية بحق كل من خالف الدستور ؟ , ليست الحرية ان تقول وتفعل ما تريد , وكثيراً ما يقال رب ضارة نافعة فما قامت به الصحيفة من عمل شائن قد أيقظ الأمة النائمة في سباتها وحركت مشاعرهم ولكنهم بحاجة الى من يقود سفينتهم الى بر الأمان وتتوحد جهودهم حتى يحققوا ما تصبوا اليه الامة , وإذا كان الغرب يؤمن بحرية التعبير فالشرق يؤمن بحرية التفكير في الرد وتقرير المصير.
ولنا تعليق على المقاطعة , صحيح أن المقاطعة تعطي ثمارها وتأثيرها الإيجابي ولكن السؤال عن البضائع التي تمت مقاطعتها وهي مدفوعة الثمن من أموال المسلمين قبل الأحداث ألا تعتبر خسارة على التجار وتأتي في طور إهدار الأموال .  

إن الناظر فِي تاريخ الدنمارك يجد أَنَّ هذه البلاد الصغيرة البعيدة اشتهرت قديماً بالقرصنة واللصوصية , فَقَدْ كَانَ القراصنة الدنماركيون يجوبون البلدان الإسلامية المطلة على المحيط الأطلسي والبحر المتوسط فيغيرون ويسرقون وينهبون ويهربون , وَقَدْ كانوا يعرفون ب`الأردمانيون` ,  وهم النورمان وإن كَانَ هَذَا اللفظ يجمع الدنمارك والنرويج والسويد وَقَدْ كانوا فيهم كثرة مِنْ أَهْل الخسة والخبث ولهم باع طويل فِي الخراب والفساد كما جاء في كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي (8/261) .

إَنَّ الاستهزاء والسخرية ليس مِنْ باب حرية الرأي ولا هُوَ مِنَ الديمقراطية إنهما تَعَدٍّ على حقوق الآخرين، وهتك للحريات الشخصية، ونقض للديمقراطية , ومن شروط حرية الرأي أَنْ لا تثير النزعات الطائفية أَوِ العرقية ، ومن الواضح أَنَّ السخرية بنبينا مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهِ استعداء الأمة العربية والإسلامية على دولة الدنمارك الراعية لهذا الانتهاك لحقوق الأديان والرموز الدينية .

إن انتهاك حقوق الأنبياء لهي جريمة نكراء وإن انتهاك حقوق الشعوب والأمم فيه كثير من الظلم والندم وهنا يتبادر الى الذهن السؤال التالي : ماذا تقولون في الصحافة التي تنشر آراء المشككين بالمحارق النازية ؟ , تخيلوا لو ان هذه الصحيفة تعدت على السامية فماذا ستقول هيئة الأمم المتحدة حينئذ ؟ لذا ينبغي الأخذ على يد كل مستهزئ بمحمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .  

لماذا لا نستفيد من التجارب ؟ , ألا تستحق هذه الأحداث الدراسة والبحث والتحليل والكتابة وفي نفس الوقت نطلب من دور الخبرة العربية والإسلامية أن تدرس المشكلة وتقوم على تحليل الوضع حتى لا تطغى مساحة العاطفة على مساحة العقل والمنطق , جميل ان نرى كل هذه المشاعر الجياشة والدفاع القوي لكن الى متى نبقى أسيرين ردود الافعال واستغلال المشاعر النبيلة بطريقة سلبية؟ , لماذا لا نقف ونفكر قليلا ؟ .  

لقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قال تعالى مخاطبا نبيه: (( إنا كفيناك المستهزئين )) الحجر . وقال تعالى: (( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا )). وقال صلى الله عليه وسلم : ( والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ) .

جميل أن نرى أمة الاسلام وقد اجتمعت كلمتها وتوحدت لمؤازرة النبي وهذا دليل على ان الامة الاسلامية قد تختلف في امور الدنيا ولكن في الدين تكون كما اراد الله لها ان تكون كالبنيان المرصوص , ولنلجأ للدعاء إلى الله بأن ينصر دينه ورسوله والمؤمنين ويعلي كلمة المسلمين ويعزهم وينصرهم ويقر عيوننا بنصرة المسلمين وعلو كلمتهم ودحر أعدائهم . فالدعاء الدعاء الدعاء . والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل . 

اني استغرب كل الاستغراب لم كل الحقد على شخص الرسول وقد بعثه الله الى العالمين كافة رحمة (( وما ارسلناك الا رحمةً للعالمين )) , وانهم لو يعلموا بالحقيقة لأسلموا , ولكن كيف نمحو الصورة السيئة عن المسلمين في عقولهم؟ .  

إن أعداء الدين يرصدون المليارات للحروب وتطوير آلات الحرب كما أنهم يعملوا على تشويه كل شيء متعلق بالإسلام، ويلصقون الارهاب بالإسلام ويحاربوننا في بيوتنا، أمس في أفغانستان واليوم في العراق وغدا الله اعلم . فحتى الانسان العادي في العالم أصبح يصدق بان الاسلام هو مصدر الارهاب.

وقبل أن أودعكم أتسائل هل هناك علاقة ذات دلالة علمية أو دينية ستؤدي الى غزوة كوبنهاجن؟  وهل ستكون من الداخل أم من الخارج ؟ .

مصطفى بن محمد غريب

الينوي – شيكاغو     

 

 صحيفة الحقائق اللندنية 06-02-2006م




No comments:

Post a Comment