في "الحلقة السادسة" من الإرهاب في
سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ ذكرنا بعض المعلومات ، ويمكن تلخيصها في ما يلي :
العلاقة التاريخية والجغرافية لمنطقة سيناء وأبناءها وما حولها , دراسة تطلعات
أبناء المنطقة على العموم وتوجهاتهم السياسية والتجارية والثقافية , الانتفاضة
الفلسطينية وأثرها على سكان منطقة سيناء , عاصمة سيناء ودورها في شحن أبناء
المنطقة , نظام إدارة المناطق الحدودية الموروث عن الإنجليز , انصهار بدو سيناء مع
بدو النقب والفلسطينيين , ديموغرافيا سكان المنطقة وأثرها على التوجهات السياسية
بشكل عام , تعدد هويات سكان المنطقة وأثره السلبي على المنطقة .
أما في
"الحلقة السابعة" سنستكمل الدراسة والتحليل المتعمق لمعرفة المزيد من
خلال تحديد الاطار الاقليمي والاداري للمنطقة الأمر الذي سيتيح لنا الإحاطة بحدود
شبه جزيرة سيناء وداخل أراضيها والفضاء الذي يتحرك فيه السكان الذين ينتمون الى
أعراق وهويات مختلفة فمنطقة العريش وقربها من الحدود الإسرائيلية والفلسطينية وقلة
عدد سكانها مقارنة بسكان قطاع غزة أو سكان وادي النيل وموقعها الإستراتيجي
والحدودي وطبيعة مناخها الذي يجمع بين مناخ البحر المتوسط والمناخ الصحراوي قد
ترتب على ذلك سمات اجتماعية واقتصادية وإقليمية وديموغرافية فريدة من نوعها، تكونت
بسبب العواصف السياسية والتقلبات العسكرية وإعصارها الذي عصف بالمنطقة ومازال .
ولهذا نجد أن
الأخطاء التي ارتكبت من مختلف الأنظمة السياسية بحق سكان المنطقة بفعل تطبيق
السياسات الاستعمارية القديمة المبنية على النزعة العرقية والتي أدت الى نزاعات
بين سكان المنطقة طبقاً لاختلاف هوياتهم وأعراقهم مما أدى الى تأخر أبناء المنطقة
عن مواكبة التطورات العالمية المختلفة وهذه الأخطاء لها جذور تاريخية تعود الى
حقبة الإمبراطورية العثمانية وتأثير الضغوط الإنجليزية عليها بضم كامل شبه جزيرة
سيناء الى مصر إدارياً من خلال اتفاقية وقعت عام 1906م بين الطرفين المصري والتركي
لإنهاء النزاع بشأن الأراضي بين القاهرة وإسطنبول الذي دام أكثر من نصف قرن .
هذه النزعة
العرقية لها مؤشرات ديموغرافية في منظور تاريخي بعيد المدى فكتب التاريخ تحدثت عن
الأصول التركية والبوسنية والألبانية التي كانت تخدم في الحامية التركية في مدينة
العريش تحديداً لأنها كانت مركز للتزود بالمياه عند التحرك العسكري في الاتجاهات
المختلفة واستقرت بها لدرجة أن بعض كتب التاريخ فرقت بين العرايشية واعتبرتهم من
بقايا العساكر الاتراك او البلقان ، والفواخرية "واكثرهم من مهاجري جنوبي
سوريا جاؤوها بعد تأسيس القلعة للاتجار مع حاميتها, وقد قيل انهم لقبوا بالفواخرية
لأن أكثرهم كانوا يتاجرون بالفخار الذي يأتون به من غزة. " وإن كانت هذه
الأصول قد انصهرت وتلاشت وسط إعصار تكوين تاريخ المنطقة التي عانت من الحروب لفترة
زمنية طويلة .
ولهذا نجد أن
هناك ثلاث تيارات لتغذية النمو السكاني المتكون من هجرات مختلفة لأصول مختلفة
ويمكن تقسيمهم الى ثلاث فئات كمايلي :
الأولى : البدو
سكان سيناء الأصليين ومحاولة توطينهم لأهداف مختلفة ومنها تقييد حرية التنقل بين
جانبي الحدود لتقسيم أرض سيناء الى عدة أقسام وعرقيات مختلفة .
الثانية :
السكان القادمون من وادي النيل وزيادة عددهم من الجنود المصريين القادمين لتحرير
الأراضي العربية من دنس الصهيونية الأمر الذي أدى الى اجتذاب وحدات عسكرية عربية
الى العريش والمناطق الحدودية وقطاع غزة الذي كان يدار بواسطة المصريين حتى حرب
الأيام الستة عام 1967م .
الثالثة :
المهاجرون من أبناء فلسطين بفعل الحرب نفسها التي أدت الى نزوح أعداد كبيرة من
فلسطين وخصوصاً من قطاع غزة الى الأراضي المصرية والاستقرار فيها سواء في مدينة
العريش أو مدينة رفح أو باقي محافظات مصر .
هذه التوليفة
السكانية والقوانين التي تفرق بينهم لا تخدم العدالة الإنسانية بين السكان قد أدت
بشعور بعض الفئات بالغبن تجاه فئات أخرى الأمر الذي أدى وسيؤدي حتما الى حركات انتقامية
إذا ما تم تغذيتها من قبل أطراف تعمل ليل نهار لإشعال فتيل الأزمة لأنها تؤمن
بمبدأ فرق تسد لينشأ عنها الإرهاب .
الموقع
الإستراتيجي للمنطقة وقربها من الحدود جعلها فضاء كبير ذو الأثر المتداخل بين سكان طرفي الحدود
وخصوصاً إذا كان هناك اختلاف جذري في الأحوال المعيشية ولاسيما أن قطاع غزة كان
يعتبر مركزاً تجارياً أكثر انفتاحا على بلاد الشام في تلك الفترة وغير خاضع للقيود
الاقتصادية التي فرضتها الحكومة المصرية بعد ثورة يوليو لعام 1952م .
نشأ عن هذا
الوضع مركز تجاري أدى الى نهضة تجارية إستفاد منها التجار الفلسطينيون وأبناء
المنطقة عموماً الأمر الذي أدى الى توسع
تجارتهم وزيادة ثرواتهم مما سمح لهم فيما بعد بأن يمدوا نشاطهم الى قلب مصر
حيث يحظون بزبائن تعاملوا معهم سابقاً , هذا وقد شهدت القاهرة موجة نزوح لتجار فلسطينيين
ومن أبناء سيناء بعد حرب الأيام الستة عام 1967م .
وحينئذ أصبحت
العريش ورفح مراكز تجاريه وسيطه يلعب فيها اللاجئون الفلسطينيون دورا هاماً
ورئيسياً في العلاقات التجارية العابرة للحدود , ولم يقتصر ذلك على الجانب الاقتصادي
وإنما الزراعي والديموغرافي فقد قام العديد من الفلسطينيين المدركين لغموض
مستقبلهم بسبب التقلبات السياسية الأمر الذي دعى البعض الى تسجيل مواليدهم في
الجانب المصري كمحاولة للاستفادة من بالجنسية المصرية التي يحصلون عليها بعد اثبات
ارتباطهم بأرض مصر , وقد ساعدت عوامل كثيرة على ذلك ومنها عدم وجود شهادة ميلاد ،
و البنية القبلية لهؤلاء السكان الذي يعيش بعضهم حياة البداوة .
يبدو ان بدو
سيناء والفلسطينيين المقيمين فيها مرتبطون بشدة بهويتهم وأرضهم لذا يعتبر
الفلسطيني المقيم في العريش - على خلاف الحالة السائدة في باقي محافظات مصر - بانه
ينتمي الى أقلية من بين الاقليات الاخرى : البدو والعرايشيه والمصريون القادمون من
جميع محافظات مصر, واذا كان هذا السياق يحث على المنافسة بين الجماعات الا إنه لم
يحدث كما يبدو حالة انطواء وعدم اندماج بل العكس تماماً هو الذي حدث .
فالإقامة في
العريش ومنطقتها لها سماتها الخاصة التي تختلف عن المنفى بالنسبة للاجئ الفلسطيني
فقرب المسافة ألغى الحدود الجغرافية ، اضافه الى تماثل اللهجة و المكان و الثقافة
واساليب المعيشة تضفي جميعها على هذه المنطقة هويه خاصه مصبوغة بطابع فلسطيني
يؤكده جميع من زار المنطقة أو تربى في أحضانها .
ولكن بعد
مفاوضات كامب ديفيد وتوقيع اتفاقية سلام بين مصر والكيان الصهيوني وإعادة سيناء
الى السيادة المصرية نتج عن ذلك تحولات مأساوية بحق الفلسطينيين والمصريين
القاطنين على طرفي الحدود ففي 25 إبريل 1982 تم تقسيم مدينة رفح الى قسمين وفقاً
لخط الحدود المرسوم على الخرائط لعام 1906م , وأصبح هناك جيب فلسطيني في الأراضي
المصرية والمسمى بمخيم كندا وعند التقسيم وضعت أسلاك شائكة لتفصل بين الحدود كما
قام شريط حدودي لفصل ابناء المنطقة والمقيمين فيها عن أسرهم وأعمالهم .
أدى ذلك الى
مفاوضات متعددة الأطراف اعترفت مصر بموجبها بوضع سكان مخيم كندا " كلاجئين
مؤقتين" الذين أصبحوا من بعد يحملون وثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين الصادرة
من مصر ويتم تجديدها بدون تصريح للعمل , ويسمح للإسرائيليين بحرية الانتقال
للمحافظة على أعمالهم في المنطقة وفي قطاع غزة أو في إسرائيل , رغم تأكيد جميع
الأطراف بأن حالة هؤلاء الفلسطينيون مؤقتة وتم الاتفاق على تأمين عودة اللاجئين
الى قطاع غزة ولكن مع وقف التنفيذ كما حدث في قرارات الأمم المتحدة بحق الفلسطينيون
.
إن الوضع الذي
فرضته إسرائيل على طرفي الحدود ووافقت عليه السلطات المصرية أفرز مظالم بحق أبناء
المناطق الحدودية المصريون والفلسطينيون لدرجة أنهم فصلوا عن بعضهم البعض بشريط
حدودي عرضه 20 متر ومحاط بالأسلاك الشائكة المكهربة وكأنها أسوار وعليها أبراج
المراقبة الأمر الذي أدى الى مظاهرات
كثيرة بشانها ولكن التعتيم الإعلامي الذي فرض حينها منع العالم من مشاهدة مآسي
سكان تلك المناطق الذي يشبه الى حد كبير جدار برلين الشهير الذي تحطم مؤخراً .
فكان من المؤكد
أن تفرز جميع تلك الأحداث وعبر فترة زمنية طويلة نوعاً من الأعمال الإرهابية كتعبير عن الاحتجاج بطريقة
تمكن الآخرون من سماع صوتهم المفروض عليه تعتيماً إعلامياً غريباً ومما زاد في
الأمر سوءاً هو اتفاق السلطتين المصرية والإسرائيلية على عدم منح تأشيرات دخول
لأفراد العائلة الواحدة من زيارة بعضهم البعض الأمر الذي أفرز عن قيام سكان
المنطقة بعمل الأنفاق السرية تحت الأرض تم تشييدها لتربط بين البيوت الواقعة على
جانبي الحدود، لتلبية ضرورة ملحة كوسيلة للحفاظ على الاتصال بين أبناء المنطقة .
هذا أفرز أيضاً
سلبيات كثيرة منها تهريب الأسلحة والمخدرات والبضائع غير المسموح بها أو لتلافي
الضرائب على البضائع بين طرفي الحدود لاختلاف الأنظمة الاقتصادية والسياسية
السائدة في المنطقة ، وإذا كانت هذه الأنفاق تلبية لرغبات من يقوم بتهريب الأسلحة
والمتفجرات فمن المحتمل أنها تعمل في الاتجاهين وليس في اتجاه واحد ضد إسرائيل
ودعماً للانتفاضة وبالتالي فمن المرجح أن تكون المتفجرات التي ضربت طابا وشرم
الشيخ قد تم تهريبها عبر الأنفاق ومن الأراضي الإسرائيلية ولاسيما أن بعض الخبراء
أفادوا بأن نوعية هذه المتفجرات تشبه الى حد الكبير ما هو مستخدم لدى جيش الاحتلال
الإسرائيلي .
وبدلاً من العمل
على تخفيف الظلم الواقع على أبناء المنطقة حاولت بعض الأطراف في مجلس الشعب المصري
بالتقدم بمقترح عام 1995م لهدم المساكن
المحاذية للحدود في رفح للقضاء على التسلل عبر الانفاق ولكن يبدوا أن تحرك الإرهاب
كان أسرع من تحرك الحكومات في اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة وتخفيف معاناة
الشعوب التي انتفضت بعد أن نفذ صبرها .
تتميز الحدود
المشتركة بين الدول بحساسية دقيقه نظراً للتقارب الشديد بين العادات والتقاليد
ولهذا بينت كتب التاريخ أن دراسة المناطق الحدودية وطبيعة سكانها ومدى ارتباطهم
ببعضهم البعض تعتبر بمثابة مجسات استشعار حقيقية للرصد على الأرض ، وتمثل منهجا
مثمراً لاستشراف الحوادث والظواهر الجديدة وبشكل مبكر , وفي هذا الشريط الحدودي تم
تخليق هوية ذات طبيعة خاصة قد نتجت عن انصهار أجناس مختلفة ومتعددة سواء كانت
مصرية أو فلسطينية أو بدوية (سيناء, النقب) أو إسرائيلية والأصول القديمة
الألبانية والبوسنية والتركية والشامية لتكون جنس جديد متعدد الانتماءات والتوجهات
والأهداف .
الأمر الذي
يجعلنا بحاجة الى المزيد من القراءة والتحليل لندرك الإجابة على سؤال : هو مازال
ماثل أمامنا : الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟
مصطفى بن محمد
غريب
الينوي – شيكاغو
صحيفة إيلاف الإلكترونية
07-10-2005م
No comments:
Post a Comment