ذكرنا في
"الحلقة الثالثة " من الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ بعض
المعلومات التي تضاف الى الأسباب التي أدت الى وقوع تفجيرات سيناء ونستطيع ان
نوجزها في ما يلي :
استغلال
السلوكيات الأمنية , الانخراط في تنظيمات عنف وإرهاب , مخطط لتسليح بدو سيناء
وتشكيل ميليشيات , مخططات التقسيم للسيطرة الاقتصادية , الأحداث في سيناء بحاجة
الى إدارة أزمات وكوارث , الأضرار التي لحقت ببدو سيناء جراء الاستثمارات السياحية
, خطر المناطق السياحية والإباحية على الأخلاق والقيم , الإحباط وخميرة العنف
ووجودهما في مجتمع بدو سيناء
أما هنا
حيث "الحلقة الرابعة " سنلقي مزيداً من الأضواء لتفسير الأحداث لأن ما يحدث
بالفعل هو خطر حقيقي مازلنا نحذر منه فهو
كالنار تحت الرماد قابل للاشتعال والانفجار في أية لحظة ولاسيما أن أبناء العشائر
والقبائل لايقبلون الضيم أو أي معاملة تخالف تقاليدهم وأعرافهم فهي مختلفة تماماً
عن بقية المحافظات .
قانون الطوارئ
يفهم منه أنه حدث عارض ولكن إن يستمر هذا القانون ربع قرن من الزمان فهو في هذه
الحالة يعتبر قانون دائم وليس بقانون مؤقت . والقوانين العرفية , وقوانين الطوارئ
تمكن الدولة التي تعمل بموجبه من إرهاب مواطنيها في أبشع صور الإرهاب التشريعي
والسياسي والاقتصادي والاجتماعي على أنه إرهاب واستبداد لا عقل ولا دين ولا قلب له
, فهو يمارس أعلى درجات التعذيب والتنكيل والقهر , الأمر الذي لا تجد له منظمات
حقوق الإنسان أي مبرر.
لقد
تصاعدت حدة الجدل بين المحللين السياسيين وقادة الفكر والرأي والمختصون في شئون
الإرهاب والجماعات الإرهابية حول هوية المنفذين ، إذ يميل الغالبية لاتهام القاعدة
وخلاياها- إن جاز التعبير عنها - بالهلامية السرطانية العنقودية، فيما يركز آخرون
على مسؤولية تنظيم سري له أفكار جهادية ولهذا اضطربت قلوب بدو صحراء سيناء أجمعين حال
سماعهم نبأ التفجيرات في سيناء , لأنهم يعرفون جيدا ماذا يعني ذلك الجدل , وربط
العلاقات بين المكان والبشر والحدث .
الشكوك بدأت
تطارد عقول المحللين السياسيين وقادة الفكر والرأي , وبدأ الهمز واللمز يصيب بدو
سيناء قبل غيرهم لأنهم بقوا على صحرائهم أثناء الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة
سيناء من عام 1967 حتى 1981، ويزعم البعض أنهم تعاونوا مع العدو
وينظروا إليهم ببعض التوجس ولم يفهم البعض
مدى ارتباط البدو بأرضهم وتمسكهم بها .
بدو سيناء
ينفون ذلك بشدة، وكأن قلوبهم قد توحدت على قلب رجل واحد , ويؤكدون أنهم كانوا
ومازالوا يريدون البقاء بعيدا عن السياسة والاهتمام بشئونهم الخاصة وحياتهم،
وجددوا التأكيد على الموقف نفسه وسيبقوا كذلك ! بعد كل هجمة شرسة يتعرضون لها
معللين بذلك أنهم خسروا أيضا مصدر رزقهم ، حيث إنهم كانوا يكسبون الكثير من العمل
في تلك المناطق , بتأجير جمالهم للسائحين، والعمل مرشدين لهم ، واستقبال السائحين
في قراهم .
وشعور بدو
سيناء بالحذر المتوجس أفرز حسرة , وألماً اعتصر دم قلوبهم المرتجفة من الظلم
والتهميش من قبل الدولة التي لا توليهم الاهتمام التنموي والمجتمعي المناسب ,
وتجمدت في عروقهم الدماء النابضة بحرارة الإحساس في حب الوطن رغم أنهم محل اتهام
دائم , وأن صورتهم الشائعة كما تعكسها بعض الكتابات الصحفية , وتصريحات بعض
المسئولين الأمنيين , هي إما كانوا مزارعين للمخدرات أو مهربين لها وللأسلحة,
وأنهم محل شك في ولائهم , وانتمائهم للوطن .
هذان
الأمران معا يعكسان مرارة كبيرة , وهي مرارة قابلة للزيادة عند أبناء سيناء
الذين يجدون ما يعتبرونه إنكارا أو تناسيا لأدوارهم الوطنية المشهودة التي قام بها
كثير منهم إبان الاحتلال الاسرائيلي لسيناء ما بين عام 1967 حتى 1981, وفي تقديم
المساندة للقوات المصرية التي كلفت بعمليات خلف خطوط العدو لا سيما في مرحلة حرب
الاستنزاف التي سبقت حرب أكتوبر عام 1973م , وشهدت بدورها نماذج وطنية وعمليات
بطولية نادرة .
أما الشعور
الأكثر خطراً أن هذه الأعمال الوطنية لم تشفع لهم عند أجهزة الأمن التي طبقت
معايير قاسية جدا هي أقرب الي العقاب الجماعي لأسر ومعارف المشتبه فيهم بعد حادثتي
طابا وشرم الشيخ , وفي الوقت ذاته أن هذه السياسة الأمنية القاسية لم تمنع حدوث
عمل ارهابي كبير في سيناء .
أعود إلى
المرارة أنفة الذكر فأقول :أنها باتت شبه جماعية وبدورها ستشكل مأزقا كبيرا يتطلب
نوعا من المراجعة لكثير من السياسات التنموية, والأمنية تلك التي طبقت في سيناء
المرحلة الماضية .وأنه لمأزق كبير بحجم سيناء كموقع يتسم بخصوصية الجيرة
الجغرافية المباشرة مع إسرائيل , تلك التي طبقت أسلوبا نفسيا ودعائيا خاصا جدا
إبان احتلالها لسيناء, مما قام علي أساس تكثيف المقولات والروايات التي تدعم
التشكيك في الولاء والوطنية لأبناء سيناء .
وهي خبرة
لم تنته بعد, وهناك الكثير من المؤشرات علي أنها تطبق الآن وفقاً لإسلوب يتناسب مع المستجدات, وهو أمر يتطلب قدرا بضرورة
وعي خطورة مثل هذا المخطط القادم عبر الحدود, والتعامل معه من أجل إجهاضه لا
إنجاحه عبر اصطناع فجوة ثقة بين أبناء سيناء من البدو وباقي شرائح المجتمع الشعبي
, بما يجعله يؤثر سلباً على المناعة الأمنية في جزء من أكثر الأجزاء حساسية.
الإرهاب
أصبح يشكل هاجساً أمنياً وأحدث فوضى عالمية ، وأن الشكل الهلامي لتنظيم القاعدة
وخلاياه ومناصريه يساهم في تعقيد الأمور وصعوبة الحكم ما إذا كانت عملية تفجير هي
في الحقيقة من صنع التنظيم وأنصاره أو ربما غيرهما، وبالتالي فقد يجد أحدهم أن هذه
الفوضى مناسبة له في جانب من الجوانب المختلفة , إذ هو يعمل الآن على استغلالها
ويوجهها لصالحه ولغاياته تحت غطاء "أنها عمليات للقاعدة"، مستخدما بعض
توقيعات القاعدة، باستخدام السيارات المفخخة والتفجيرات المتنقلة والمتعددة في آن
واحد، وهي ختم القاعدة وبصمة السباق فيها ولها .
كما أن
هناك بعداً آخر ضمن حسابات الأكثر خطورة لأحداث سيناء وهو أن تكون التفجيرات نتاج
مجموعات تتبنى وتعتنق فكر القاعدة دون أن تكون متصلة مركزياً أو شبه مركزياً بالتنظيم
، وأن التفجيرات تحمل طابعاً انتقامياً ضد أجهزة الأمن التي اعتقلت آلاف من أبناء
سيناء حيث جرى تعذيب بعضهم بشهادة منظمات حقوقية مصرية ودولية!! مما أدى الى تأجيل
موعد محاكماتهم عدة مرات .
ومن المؤكد
أن عملية التحول الاجتماعي أصابت أهل سيناء, وهم ذوو الأصول القبلية وأصحاب
التقاليد الاجتماعية والدينية الراسخة, إذ هي تفرض بدورها اقترابا حكوميا وشعبيا
وحزبيا يختلف تماما عن تلك الاقترابات التي تطبق بشأن مجتمعات مستقرة سواء كانت
حضارية أو ريفية. وفي سيناء يشهد حالياً الانفتاح علي العالم الخارجي عبر
الاتصالات الحديثة, والاحتكاك مع تجمعات السائحين سواء كانوا من المصريين أو
الأجانب, والتحول النسبي من الرعي والترحال إلي الزراعة والاستقرار في المكان .
وهذه
أنماط سلوكية لم تكن معتادة من قبل, ولها مردودها الاجتماعي والثقافي علي منظومة
القيم القبلية والبدوية نفسها. كما أن هناك من يستغل الكثير من ثغرات التحول
الاجتماعي ويدفع بها إلي مسارات خطيرة, وهو ما يوجب التنبيه اليه وبالتالي
الوقوف سياسيا وفكريا عنده قبل أن يكون أمني .
سيناء هي
كل هذا مجتمعة, تجسد جزءا عزيزا من أرض الكنانة وشعبها, وربما فاقت شهرة مدنها
السياحية الكبري شهرة شبه الجزيرة قاطبة بقبائلها وتاريخها ونضالها إبان الاحتلال
الاسرائيلي. وهو بعد له تأثيره المزدوج سلبا وإيجابا. فبينما تحولت مدن معينة
ومحدودة العدد وقليلة السكان الي بؤر جذب كبري لصناعة السياحة المحلية والعالمية
في آن, إلا أنها تركت التجمعات السكانية الأخري لا سيما في وسط سيناء علي حالها
تقريبا, ولم يصبها سوي قشور محدودة من التغيير والتطوير.
ثم جاءت
تصريحات غير مسؤولة لترفع من شأن هذا التفسير "الثأري" حيث تم الربط بين
المكان والسكان والحدث وقيل إن هناك خيوطاً لهذه التفجيرات تشير الى أن البصمة واحدة ونوعية المتفجرات المستخدمة واحدة فأوجدت
غلياناً داخل سيناء كان من نتائجه ولادة تنظيم مسلح تجيد عناصره استخدام السلاح
بالوراثة، حيث تعتبر سيناء منطقة حروب ويستطيعون الحصول على السلاح بسهولة ، وعبر
الحدود مما يدفع الى الاعتقاد باحتمال مشاركة أجنبية وتشير الى عودة العنف المسلح
ووقوف تنظيم قوى ومعقد ذو خبرات عالية وعالمية تحير عقول المحللين السياسيين وقادة
الفكر والرأي في الإجابة على السؤال الذي مازال ماثل أمامنا : الإرهاب في سيناء هل
هو بداية أم نهاية ؟ .
مصطفى بن
محمد غريب
الينوي –
شيكاغو
صحيفة إيلاف الإلكترونية 17-09-2005م
No comments:
Post a Comment