Thursday, August 8, 2019

الولايات المتحدة الإفريقية وعاصمتها طرابلس الغرب


الولايات المتحدة الإفريقية وعاصمتها طرابلس الغرب

(ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين* إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم اللّه الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الخائنين). آل عمران الآية 140

طرابلس الغرب ، المدينة الباسلة المجاهدة الصابرة، وقفت في وجه القوة العظمى في العالم وقوات التحالف قوات الخزي والعار المدعومة من القوى الرجعية العربية وعاشت الحصار وأعدت قوات الاحتلال العدة لحربها وكأنها تعد لمعركة فاصلة , وكشفت الحملة العسكرية على ليبيا عن مقاومة شرسة ومسألة أخرى لم توردها وسائل الإعلام وهي أن أهالي ليبيا شكلوا لهم سلطة مستقلة تسمى الجماهيرية العربية الاشتراكية العظمى , ولن تنجح المفاوضات من إقصاء الزعيم الليبي معمر القذافي الذي طرد القواعد العسكرية الغربية من الأراضي الليبية وهو وحدوي عاشق للوحدة ورغم محاولاته المتعددة من الوحدة العربية ووحدة الأمم الأفريقية إلا أنه في نهاية المطاف سوف ينتصر وتتوحد الشعوب ضد جلاديها وضد الغزو الاستعماري الصليبي ولهذا ستتعرض ليبيا لكل أشكال التدمير بحجة أن النظام الليبي وزعيمها وجماعته يعيثون في المدن الليبية فساداً وللاستفادة من أسطورة القذافي لاتخاذه حجة أخرى لتدمير كل المدن الليبية فقد قيل أنه هرب إلى فنزويلا قبل أن تبدأ القصف الجوي لإحكام القوات الغازية سيطرتها على طرابلس الغرب حتى قبل احتلال ليبيا .

ما حدث في ليبيا "ملحمة الجهاد والفداء"، إذ واجه جيش الشعب الليبي المسلح والمدنيون العزل والمقاومون بأسلحتهم المتواضعة وأجسادهم أعتى جيوش العالم التي لم تكتف بقصف الطائرات والصواريخ وكل الأسلحة الفتاكة التي تمتلكها، وإنما لجأت أيضا للأسلحة المحرمة دولياً ، جاءت معركة الزاوية ومعركة راس لانوف والبريقة وإجدابيا وغيرها من المدن الليبية بعد معركة الزاوية والبيضا , التي قامت من خلالها قيادة الجيش الشعبي المسلح بجرّ قوات العصابات الإجرامية والتي ادعت الفضائيات ووكالات الكذب إنها مظاهرات سلمية إلى العديد من المدن الليبية وخصوصاً مدينة بن جواد من أجل إسقاط جوهر الخطة العسكرية في ليبيا ، وهي تتجنّب الوقوع ضمن مرمى أسلحة العصابات الإجرامية المسلحة بغطاء جوي غربي وتحالف القوى العظمى الذي وصل حتى الآن أكثر من 35 دولة وبحجة واهية وهي حماية المدنيين , وليس غريباً أن يقوم الجيش الشعبي المسلح باستعادة السيطرة على مختلف المدن التي تركت القيادة الليبية الأمر لتفوت الفرصة على عدوان جديد ضد ليبيا ولكن يأبى العدوان إلا أن يدمر كل شيء من أجل تقسيم ليبيا وستبقى الحرب سجالاً بين مقاومين وغزاة وقوات تحالف الشر والبغي والعدوان وكأنما ليبيا أصبحت لها حكومة في بنغازي مستقلة عن الحكومة المركزية في طرابلس الغرب ومناطق الجنوب الليبي تشهد هدوء نسبي والحمد لله أن ليبيا ليس بها أي طوائف دينية حتى لا تستغل باسم الطائفية من أجل زرع الفتنة ولكن وجدوا عصابة تريد تقسيم ليبيا إلى شرق وغرب أو حتى شمال وجنوب , والقوات الغازية تعلم تماماً أنها لو طالت أمد الحرب ستهب الجماهير لنجدتهم ونصرتهم من كل حدب وصوب لدعم استقلال ليبيا وعدم التقسيم ولكن العصابات الإجرامية واهمون إذا اعتقدوا أنهم سيتسلمون سلطة أو حكم معتمدين على الدعم الغربي والقوى الرجعية العربية والتي ستدفع فواتير الحرب على ليبيا وذلك لأن الغرب دفع بقواته لصب جام غضبهم وحمم صواريخهم على كل التراب الليبي وقدمت الخسائر المادية ليس من أجل تسليم الحكم لمجلس وطني ولكن للغرب شيعتها الخاصون بها ويأتمرون بأمرها وتستجيب للإملاءات والشروط التي تفرضها وبالتالي لايمكن أن تكون هذه الإجراءات والضربات الجوية نزيهة في ظل قوات غزو واحتلال مهما قامت بالترويج لليبيا حرة وديموقراطية وجديدة يختلف نظامها عن النظام الليبي الجماهيري ، كل ذلك من أجل خدمة مصالحهم وهو غربي الهوية والتوجه وبتمويل عربي متخاذل ، ويخدم مصالح “إسرائيل” أيضاً.

ومما تقدم نستطيع أن نستنتج أن هذه الحرب ماهي إلا مقدمة لتقسيم ليبيا إلى شرق وغرب بل لتصبح كل شعبية دويلة مستقلة من أمثال الدول الفندقية في الخليج العربي ,مما ينذر بنشوب حرب أهلية طاحنة ولاسيما أن حمامة السلام التي كانت تحمل غصن الزيتون اختفت من سماء ليبيا واستبدلت بطائرات الميراج والفانتوم وال إف 15 وال بي 52 والشبح وغيرها وهذا يعني أن أغصان الزيتون تتحول إلى قذائف وصواريخ تحملها هذه الحمامة الغربية الصنع ولن تخلف وراءها إلا النار والدمار وقصف للأعمار ومن الغريب إننا نسمع عن إعادة الإعمار من الأموال الليبية التي جمدت فهل يجدي إعادة الإعمار بعد قصف الأعمار .

ماهي النتائج التي تحققت خلال القصف والدمار والخراب ؟ وهل لازالت القنوات العربية تنشر أحداث المدن الليبية ؟ أم أن الكذب والتعتيم على الطرف الآخر الإعلامي الذي فرض عليها هو الوجه الآخر للديموقراطية ؟

وكأنما الديموقراطية هي التي تنشر الدمار والخراب والفوضى في العالم ، والذي روجوا له كثيراً بعنوان الفوضى الخلاقة وإننا إذ نحذر نقول أنه لن تنتهي هذه الهجمات إلا بعد التأكد من الحرب الأهلية المفتعلة بخطط وسيناريوهات محددة سلفاً وبالتالي سيزيد الإرهاب ليؤكد على الغزو بحجة محاربة الإرهاب وكأن العرب لا يفهمون مخططات الغرب الصليبي لأنهم يعلمون تماماً أن المسلمون سيدخلون روما إن عاجلاً أم آجلاً , وكما شاهدنا الدمار في العراق سابقاً وبشهادة الغرب الصليبي نفسه أن الحرب على العراق أفرزت الإرهاب وبشهادة الرئيس الفرنسي جاك شيراك حين ذاك , ولكن أي إرهاب إنه إرهاب الدول وخصوصاً في عهد زعيم المتطرفين اليمينيين الجدد الذين تحكموا بقرارات البيت الأبيض والذين لازالوا يسخرون كل خططهم وعملهم لخدمة الحركة الصهيونية ، وها هي سنوات عجاف أخرى سيصلى أتونها أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين بعد أن تربع رئيس من أصول أفريقية على عرش الدولة العظمى ، لتزداد إسرائيل طرباً وفرحاً بمقدمه لأنه سوف يعتني بتنفيذ المخطط الصهيوني بكل دقة حرفاً بحرف وكما هو مخطط له , لأنه سيزداد قرباً من اللوبي الصهيوني تمهيداً لفترة رئاسية ثانية إذا أثبت أنه قادر على تدمير ليبيا , وسيستمر الصمت العربي الرهيب وسيحافظ على ضبط النفس وياليته صمت ولكنه هو الذي فتح الباب على مصراعيه للعدوان بتأييد ومباركة وتمويل عربي إذاً إننا في هذه المرحلة نبكي على الصمت لأن الصمت كان أفضل من التأييد والمشاركة , وبدلاً من اليمين الجمهوري المتطرف أصبحنا في ديموقراطي أشد تطرفاً حتى تزداد هذه الإدارة تطرفاً ضد العرب والمسلمين , أي أن الحزب الديموقراطي تراجع , فهل يعني ذلك أن الديموقراطية تراجعت في الدول الغربية نفسها ؟ لتحقيق مايسمى بالشرق الأوسط الجديد . أين وصلنا في خارطة الطريق ؟ وهل اجتماع لندن سيحقق أهدافه التي من أهمها منح مزيد من الشرعية لقوات الاحتلال الغربية ؟ وهل إعادة إعمار ليبيا لايصلح إلا بعد تدمير المدن الليبية أولاً ثم إعادة الإعمار؟ وإذا افترضنا جدلاً أنه يمكن إعادة الإعمار فهل يمكن إعادة أعمار من أزهقت أرواحهم في مختلف المناطق الليبية ؟ أم أن الأعمار بيد الله والإعمار بيد البشر ؟ .

إن من يتباكى على المدنيين في ليبيا سيعلم أن هؤلاء هم أحفاد عمر المختار والذين سوف يقدمون للتاريخ دروساً وعبر في المقاومة والنضال من أجل الحرية ودفاعاً عن النفس وسوف تقدم صور تحتقر العملاء والمأجورين وفي مساجد الله فلا هم احترموا دور العبادة ولا الجرحى ولا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء , وستقول منظمات لحقوق الإنسان إن قيام قوات التحالف بضرب الأهداف العسكرية هي في الأصل موجهة ضد المدنيين ليزرعوا الخوف في النفوس ويثبطوا من العزائم والهمم بقتل الجرحى وهي بمثابة جرائم حرب ضد الإنسانية . وسوف تقول منظمة العفو الدولية إن "إطلاق النار المتعمد على المدنيين والجرحى لا يمثلون خطرا فوريا هو جريمة حرب وفقا للقوانين الدولية ولذلك هناك التزام على السلطات الغربية بالتحقيق في كل هذه التقارير ومعاقبة المسئولين عن مثل هذه الجرائم أمام القانون. والآن يتساءل المرء بينه وبين نفسه عن سر هذا التكالب الأممي على ليبيا كما تكالبت على العراق سابقاً وفلسطين قبلها بأكثر من نصف قرن . أما القنوات الفضائية المفضوحة فإنها تهيئ مسرح الجريمة في ظل انحياز إعلامي شديد لم تعهده حروب سابقة قط، وتستمر قوى التكالب الصليبي الغربي في قصف المدن والقرى الليبية كما كانت سابقاً في قصف المدن العراقية بشكل يومي ومتواصل إنها نار الحقد والتعطش للانتقام من قبل جنود دول تحالفت على الظلم والعدوان حاملة لواء الديمقراطية البالي الممزق لترويج الديموقراطية الغربية الزائفة . فلم ولن تجد الجواب المقنع لهذه الحرب الظالمة إلا إذا عرفت أنه الحقد والكراهية والسيطرة والرغبة في الاحتلال والسيطرة وسرقة الثروات ، ولن تجد السبب المناسب للاحتلال إلا إذا آمنت أن إسرائيل والغرب الصليبي الحاقد هم وجهان لعملة واحدة فالغرب وأمريكا ملتزم بأمن إسرائيل أما دول المنطقة لا أمن لهم . إن هذه الجرائم يندى لها جبين الإنسانية في ظل صمت مطبق من قبل الأمم المتحدة وعواصم العالم أجمع بل بتمرير قرار ظالم ويحمل الرقم 1973 وهو سنة الانتصار العربي على إسرائيل في العاشر من رمضان. هل يتوقع الغربيون أن ينتهي عدوانهم على ليبيا بإخضاعها ، تمهيدا للانتخابات الصورية القادمة ؟

لقد أعاد احتلال الولايات المتحدة للعراق حقبة الاستعمار القديم التي تصور الكثيرون أن الماضي طواها تحت عباءته ولن يكون لها حضور في القرن الحادي والعشرين. أما المحاولات الجديدة لضرب التراب الليبي والشعب الليبي فالاحتلال الأمريكي للعراق أشبه بعهود الانتداب البريطاني والفرنسي والمحاولات الحالية في ليبيا أشبه بالاحتلال الإيطالي ، وأي حكومة في ظل هذا الاحتلال الذين سيسموه انتداب لا يمكن أن تكون حكومة مستقلة الرأي والإرادة , ولكن ما قدمته المقاومة العربية في ليبيا خلال الأيام المنصرمة سيسطر في صفحات التاريخ دروساً وعبر ، وسيكون مناراً للشعوب التي ترفض الاحتلال وتصر على حقها في المقاومة، وتدفع أرواحها في سبيل الله ثم الوطن . وزاد الغرب من حقدهم هذه الأيام بإحراق نسخة من المصحف الشريف لا بل عملوا لهذا الكتاب محاكمة ولا يعلمون أن الذي أنزل هذا الكتاب يمهلهم ولن يهملهم بل وسينتقم منهم كما أرسل طيوراً أبابيل سيرسل ملائكة تقتص منهم أجمعين والغريب أن بعض العرب يقدموا لهم الدعم لعنهم الله وأخزاهم أجمعين وهم يعلمون أن هذا فيه إيذاء لشعور المسلمين في كل بقاع العالم وتحدياً وإذلالاً لهم , إن الحديث عن لجنة مستقلة للتحقيق من قبل الأمم المتحدة لم تعطى الفرصة لتقدم شهادتها أو تقريرها بل جاء القصف قبل أن تعود اللجنة وسوف يتضح أن قوات التحالف استخدمت القوة بدون تمييز داخل المناطق المدنية ومنعت المدنيين من دخول المستشفيات كما هو الحال في البحرين وقبلها الفلوجة.

ما أصعب الحديث عن عمق المأساة الإنسانية حيث لا ماء ولاغذاء ولا دواء ولاقوافل إغاثة حتى للمدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ حقاً إنها مدن أهلها مجاهدون لذا  نرى العقاب الجماعي ينم عن غطرسة وحقد دفين .

لكن ستدرك القوات الغازية أن الاحتلال والعنف لن يطفئا الروح الوطنية والدينية في بلاد المسلمين والدليل على ذلك أن المقاتلين العرب هم المدافعون عن التراب الليبي وإذا تحولت الحرب النظامية إلى حرب عصابات فلن تتمكن قوات التحالف من السيطرة عليها وستعيد إلى الأذهان صورة أمريكا المهزومة في حرب فيتنام وأفغانستان فالمقاتلون العرب والمسلمون لازالوا يقاومون في أكثر من مكان ولاتوجد قوة على وجه الأرض ستقضي عليهم أو تتمكن منهم لأنه الصراع الأزلي بين الحق والباطل , وإذا اختفى المقاتل العربي من أمامهم فإنه سيظهر من حولهم ولذا لم ولن تتمكن قوات الاحتلال من السيطرة الكاملة على ليبيا ، وسوف تتحول المدن الليبية إلى بركان يثور في وجه قوات الاحتلال ، وكما قال القائد أن التراب الليبي سيتحول إلى جمرة تحرق الأعداء , إنها تضحيات وصبر وجهاد ، إنها تقدم للتاريخ دروساً في التضحية والفداء والبطولة، فحتى لو كسبوا مدينة أو أخرى اليوم فلن يكسبوها غداً ، فقوات المقاومة تكبر ككرة الثلج وتزداد في ليبيا فالمجازر والمذابح سيزيد من مساحة الغضب والحزن والرغبة في الثأر، وإني لأستغرب الصمت العربي من بعض الدول التخاذل العربي والتآمر من بعض الدول الأخرى ! أوليس هتك دم المسلم يستوجب الدفاع عنه ؟! أين حرمة دم المسلم وقد سفكت دماء الأبرياء من المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ ؟ إن من يتجرأ ويقول على رؤوس الأشهاد إن ما يجري في ليبيا هو درس لمعارضي الديمقراطية ! سيلقى جزاؤه وأي ديموقراطية ستفرض تحت ضربات المدافع والطائرات والصواريخ إنها همجية القوة وليست قوة الديموقراطية , أي ديمقراطية تلك التي تقوم على جماجم الأبرياء من أهالي ليبيا , إن السائرين في ركاب الاحتلال والمروجين لمشاريعه في السر والعلن ، والداعين لدولة ديموقراطية وانتخابات مزورة ومشوهة تكرس واقع الاحتلال ولن يخرجوا من ليبيا إلا بالمقاومة الشعبية وستتحرر على أيادي المقاومة العربية الباسلة والشعب العربي الليبي المسلح  ، فالتدريبات لم ولن تذهب سدى وسيولي الأدبار كل من تعاون مع قوات التحالف الغزو الصليبي , وعندما قالوا أننا لن ندخل التراب الليبي هم كاذبون ولكن الاحتلال سيولد مقاومة والإمعان في القتل ينتج التصميم والإرادة على المقاومة، والثورة ضمّت إلى صفوفها رجال دين وزعماء قبائل وخريجي الدورات الإيمانية من حفظة كتاب الله فأصبحت ثورة وطنية عربية عامة للدفاع عن الدين والمدنيين وعن المال والعرض والأرض وستتحول الشعبيات إلى ولايات متحدة وتسمى الولايات المتحدة الأفريقية وتختار عاصمتها طرابلس الغرب  , (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) التوبة .14


د. مصطفى بن محمد غريب
الينوي – شيكاغو  

حرر في 29-03-2011م

No comments:

Post a Comment