Thursday, August 8, 2019

الدانمارك .. وما أدراك .. ما الدنمارك


الدانمارك .. وما أدراك .. ما الدنمارك

في سبتمبر من عام 2005م نشرت إحدى الصحف الدانماركية رسوماً كاريكاتيرية تتعرض للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبدأت تتفاعل القضية بشكل شعبي بعد ثلاثة أشهر عندما طالب العديد من العلماء المسلمين بمعاقبة الصحيفة الدانماركية بالاعتذار وفرض عقوبات رادعة على كل من شارك في هذا العمل المشين .

 

ومنذ اللحظة الأولى التي تم نشر هذه الصور بدأت الجهود الدبلوماسية لحث الحكومة الدانماركية لاتخاذ موقف مراعاة لشعور المسلمين ولكن تم هذا الرفض بلسان رئيس الوزراء على اعتبار أن ذلك الذي نشر في الصحيفة المذكورة أعلاه يعتبر من حرية الرأي .

 

وحول بداية قصة الكاريكاتير المسيء للرسول محمد صلى الله عليه وسلم يقول أحد المشايخ في الدانمارك  "لقد قام مؤلف دنماركي بتأليف كتاب للأطفال عن الإسلام، وأراد صورة للنبي صلى الله عليه وسلم ليجعلها على غلاف الكتاب، وحاول مع العديد من الرسامين فلم يفلح في إقناعهم برسم صورة فانبرت له صحيفة "يولاند بوسطن" وأخذت على عاتقها تشجيع الرسامين، واستطاعت أن تقنع 12 رساماً كاريكاتيرياً برسم اثنتي عشرة صورة للنبي صلى الله عليه وسلم كلها تتسم بالحقد والسوداوية والنظرة الخاطئة لنبي الإسلام والمسلمين .

 

وهكذا بدأت القصة في الدنمارك بتاريخ 30-09-2005م ، وأخذت تداعيات الحدث تتزايد داخل الدنمارك وبعد نشر الصور بأسبوعين تقريباً قامت صحيفة دنماركية أخرى بنشر صور أخرى لا تقل قبحاً عن الصور الأولى، وهكذا فقد تشجعت الصحف حتى رأينا صحيفة نرويجية تأخذ نفس صور صحيفة يولاند بوسطن وتنشرها واختارت لها أول أيام عيد الأضحى المبارك .

 

وبدأت بيانات الشجب والاستنكار من العديد من المنظمات والجمعيات الإسلامية والعربية في الدانمارك، تعبر فيه عن غضبها الشديد مما نشرته صحيفة يولاند بوستن الدانماركية من تطاول على شخص الرسول محمد عليه الصلاة والسلام , وهي عبارة عن رسومات متخيلة ومشوهة تُزعم أنها للرسول الأعز الأكرم صلوات الله وسلامه عليه .

 

وفي تصريحات لأحد أئمة المساجد في الدانمارك، قال " إن الرسوم تظهر شخصا على رأسه عمامة على شكل قنبلة وبيده خنجر وخلفه امرأتان منقبتان , ويأتي هذا في إطار التطاول على نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وتم تحت غطاء من "حرية التعبير" بينما لا يسمح بالكلام عن السامية .

 

وبدأ بعض الكتاب باقتراح محاربة الدانمارك إعلامياً كأحد الاقتراحات ولكن نحب أن نذكر أن في الدانمارك يوجد مائتا ألف مسلم يشكلون 3% من عدد السكان الإجمالي , كما يُعد الإسلام ثاني أكبر ديانة بعد المذهب الإنجيلي اللوثري ومع ذلك فإنهم يعانون من التجاهل ونقصان الحقوق لدرجة منعهم من امتلاك مسجد كبير, وينظر كثير من الناس لهم بعنصرية بغيضة تعمل على تهميشهم وعدم الاستعانة بهم في الأعمال وهو ما يزيد من غربتهم وشعور بعضهم - أو قل أكثرهم - بالاضطهاد وعدم الانتماء للمجتمع ويرزحون تحت وطأة البطالة العالية في الدانمارك .

 

وبعد الاطلاع على معظم المقالات التي عبر كتابها عن وجهات نظرهم والتي أمدتنا بالكثير من الأفكار كتعليق على هذا الحدث الجلل فالمسلمون يعتبرون إن التهجم على شخص النبي يأتي في سياق الحرب على الإسلام سواء كانت بطريقة خفية بهدف إبقاء مشاعر المسلمين ساكنة أو علنية لتأجيج المشاعر وهي في الواقع إسقاط لما يدور في خيال الحاقدين على الإسلام ويريدونها أن تكون حرب في سلسلة الصراع الطويل الذي يمارسونه منذ فجر الإسلام قال تعالى } ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا {[سورة البقرة: 217] .

 

فالآية مبينة للقاعدتين معاً حتمية الصراع (ولا يزالون يقاتلونكم ) وغايتهم من الصراع (حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ) إذن لا بد ان يكون هذا الامر واضح عند المسلم غاية الوضوح فمن يحاربك فهو يطاردك أو يقاتلك أو يفاوضك إنما هدفه أن يردك عن دينك حتى يتسلل الخلل الى شخصك وأمتك ليغير اتجاه مسيرتها . 

 

والرسومات التي وردت في الصحيفة الدانماركية قد مست كرامة ومشاعر المسلمين بالتجني على رسولهم المرسل من رب العالمين وفي السياق نفسه نجد أن المسلمين تعرضوا للأذى والإهانة في كثير من الدول فالتعدي على حقوق المرأة المسلمة وحجابها في دولة ما , وأظهرته بعض الصور المنشورة في الصحيفة المذكورة تأتي ضمن حملة تم التخطيط والإعداد لها مسبقاً , كما أن تدنيس المصحف الشريف في أكثر من مكان وتم نشره في أكثر من صحيفة له دلالات معادية .

 

وفي الصور التي نشروها عن النبي صلى الله عليه وسلم صوروه كأنه زعيم الإرهابيين في نظرهم , ويعتبر الإسلام في نظر العديد من وسائل الإعلام لديهم هو المعنى اللغوي الرديف لكلمة الإرهاب , والجماعات الإسلامية المتشددة هي منظمات إرهابية كما يحلوا لهم وصفها , ولهذا فإنهم يخوضونها حرباً دينية ولكنها تحت شعارات إنسانية وبمسميات جديدة وينبغي على العاقلين فضحها وتبيين دلالاتها فالحرب ضد الإرهاب تم إلصاقها بالمسلمين ليتم وصفهم بالإرهابيين ومن ثم تعلن الحرب عليهم .

 

ألم يصرح رئيس إحدى الدول أن حربه مقدسة وصليبية وأن "الرب" هو الذي أرسله وفي بعض الدول وغيرها يعتبر الحجاب هو شعار الإرهاب وهنا يتساءل أحدهم بالقول لماذا لا يكون هناك لجان تابعة  لمنظمة المؤتمر الإسلامي تتابع إعلاميا وثقافيا وسياسيا مثل هذه الحملات ؟ التي يبدو أنها بدأت تأخذ منحى وشمول الحرب المنهجية المؤسسية التي لا يجوز أن يكون الرد عليها إلا منهجيا ومؤسسيا ومكافئا لها في القوة والمقاومة ومضاد لها في الاتجاه .

 

أما الآخر فيوجه التساؤل التالي لماذا لا نستطيع أن نحرك المحكمة الدولية وهيئة الأمم لإيقاف مثل تلك الإهانات بحق الشعوب والدول الإسلامية ؟ , ويتساءل ثالث بالقول لماذا لا يتحرك البرلمانيون الإسلاميون للدفاع عن دينهم ممثل في الإهانات ضد رسول الإنسانية ؟ , ويتساءل رابع بالقول أين دعاة حقوق الإنسان؟ ويتساءل سادس بالقول أين دعاة السلم العالمي؟ .

 

ويتساءل سابع مندهشاً أين مؤتمرات الحوار والتقارب بين الأديان؟ , ويتساءل ثامن مستغرباً أين الملحقيات الثقافية لسفارات ست وخمسين دولة إسلامية من هذه القضية التي تعتبر ثقافية من الطراز الأول؟ ويتساءل تاسع مستهجناً أين قادة الفكر "العربي والإسلامي"؟ وآخرهم قال وتعلوا وجهه الحيرة ويعتصر قلبه الألم متعجباً بالقول هل تتذكرون يوم هدمت تماثيل بوذا كيف تحرك لها المجتمع الدولي ومجلس الأمن وحتى دول إسلامية ورموز علمية !!! .

 

رئيس تحرير الصحيفة رفض الاعتذار الرسمي , فماذا يعني هذا ؟ وعليه نوجه دعوة صريحة لكل من يحب رسول الله أن يردوا عليهم بمنطق إسلامي وليكون الجزاء من جنس العمل وبعيدا عن العنف لان ديننا دين الرحمة والإنسانية , أيها المسلمون أذكركم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال بل كثرة ولكن غثاء كغثاء السيل ينزع الله من قلب عدوكم المهابة ويلقي في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن يا رسول الله قال حب الدنيا وكراهية الموت )  .

 

وهو القائل لا يؤمن أحدكم حتى يحبني أكثر من والديه وولده وماله ونفسه فقال أبن الخطاب أكثر من والدي وولدي ومالي ولكن ليس أكثر من نفسي فقال صلى الله علية وسلم لا يا عمر فبكى الفاروق وقال بل أكثر من نفسي يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم الأن يا عمر أي الأن أكتمل إيمان عمر بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه فأين نحن من هذا الإيمان .

 

أيها المسلمون ماذا تنتظرون , قال تعالى ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )  , ادعموا وزراء الخارجية العرب الذين انتقدوا حكومة الدانمارك لعدم اتخاذها إجراء إزاء الصحيفة , وأبدوا عدم رضاهم عن المنظمات الأوروبية المعنية بحقوق الإنسان التي لم تتخذ موقفا واضحا إزاء الرسوم التي نشرت .  

 

أيها المسلمون ماذا تنتظرون وطالبوا بحقوقكم فقد أدانت شخصيات يهودية ومسيحية دينية وعلمانية في الدانمارك "الإساءات" التي تعرضت لها شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال رسوم كاريكاتورية, مما تسبب بمشاعر غضب عارم في العالم الإسلامي عامة والجالية المسلمة في الدانمارك وأوروبا بشكل خاص , وأكد القساوسة في الدانمارك مجتمعين رفضهم لكل إهانة أو مساس بالأديان السماوية أو بالأنبياء والرسل .

 

نطالب بتفعيل قرار الأمم المتحدة بخصوص حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ( بتاريخ 3/3/1426 ه - الموافق12/4/2005 م ) الداعي إلى محاربة تشويه الأديان، لاسيما الإسلام، الذي زادت وتيرة تشويهه في الأعوام الأخيرة وللأسف الشديد , ولنتلمس الطريق السليم في التعامل مع هذه القضية , ولندعم رئيس لجنة الدفاع عن النبي في الدنمارك الذي حذر من انفلات الحوار الحضاري .

 

ولندعم أيضاً اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء التي بادرت وكوّنت فريقاً من المحامين الأمريكيين والدنماركيين، لاستئناف قرار الرفع للمحكمة الفيدرالية، الذي يهدف إلى مقاضاة صحف دنماركية نشرت رسومات كاريكاتورية تسخر من النبي محمد صلى الله عليه والسلام , كما ندعوا الى مؤتمر دولي لنصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم , على غرار المؤتمر الدولي لمحاربة الإرهاب , ولندعم أي حملة ترعاها جهة رسمية إسلامية للمطالبة بحقوق المسلمين في جميع أنحاء العالم .

 

كما ندعوا الى دعم وإنشاء منظمة للمقاطعة العربية والإسلامية تحت أسس علمية وأن نستفيد من تجارب الماضي حتى نستطيع أن نحول المحن الى منح والمصائب إلى عمل صائب , أعلم أنني قد أتيت متأخراً للكتابة في هذا الموضوع , ولكن: أن تأتي متأخرا، خير من ألا تأتي أبدا , فانتصروا لنبيكم ولأمتكم فالأمة التي لا ينتصر لها تبقى مهزومة .



وقبل أن أودعكم توقفوا كثيراً عند هذه العبارة المقتبسة }  الدنمارك، وما أدارك ما الدنمارك، التي تشير دراسات علمية إلى احتمال انقراض شعبها خلال نصف قرن {  , فهل هناك علاقة ذات دلالة علمية أو دينية ستؤدي الى عمل إرهابي ضد الدانمارك ؟  وهل سيكون هذا العمل من الداخل أم من الخارج ؟ أتمنى أن تحل الأزمة التي تسببت بها الصحيفة أعلاه بالطرق السلمية لنثبت للعالم أن الإسلام هو دين السلام .

مصطفى بن محمد غريب

الينوي  – شيكاغو  


صحيفة الحقائق اللندنية 04-02-2006م



No comments:

Post a Comment