Thursday, August 8, 2019

الجدار العازل ستدمره الأنفاق



الجدار العازل ستدمره الأنفاق

من منبر الأمم المتحدة تباكى شارون على السلام وهو متأنق بزة حمل وديع أنكر الذئب أعماله وأخذ يسدي النصائح للفلسطينيين بأن عليهم أن يثبتوا للعالم أنهم يريدون السلام القائم على قواعد المستوطنات التي دمرت قطاع غزة وتسعى لتدمير الضفة الغربية ولازالت تحتفظ بالجولان ومزارع شبعا في لبنان , إن الذهول الذي يعيشه العالم اليوم يبرهن يوماً بعد يوم أن المقاومة هي القلم الذي يرسم لوحة الحرية ولو عبر أنفاق ستدمر الجدار العازل .

إن هذا الانسحاب المنقوص سيوفر فرصة لإنعاش المصابين برعاش حمى قنابل النابالم المحرمة دولياً والتي هتكت أجساد أطفال غضة طرية تلعب في باحات مخيماتها بكرة من قماش لانعدام القدرة لشراء البديل , يلهو بها في مرتع صباه ثم كبر فحملته المسؤولية الكلاشينكوف المهرب من أنفاق مظلمة عبر المناطق الحدودية ليتنسم هواء الحرية , ولكن تصر إسرائيل على الاحتفاظ بالمعابر البرية والبحرية والجوية وتدعي إن هذا انسحاب مشجع للسلام .

إن خارطة الطريق رسمت بريشة يد ترتجف , صاحبها مصاب بداء باركنسون من ضربات ولكمات المقاومة الإسلامية وإرهاب التطرف اليهودي المتعجرف الذي يحن الى محرقة الهولوكوست مرة أخرى ليس على أيدي النازيين هذه المرة ولكن على أيدي أبناء الجبارين المتمترسين داخل أنفاق الرعب التي حيرت خبراء الهندسة والبناء مثلهم كمثل الفراعنة الذين شيدوا الأهرامات بتكنولوجيات الأزمنة الغابرة وحضارات عابرة سادت ثم بادت .

عندما تطلب الذئاب السلام فإنها تدعوا الى انتقام ولن يغتر هذا الشعب من  تطبيق نادم لخطة فك الارتباط من طرف واحد ويدعوا للسلام بدون أن تمتد له يد ليصافح شركاء السلام ودون أن يمهر توقيع لاتفاق على انسحاب ويدعي بأن هذا الهروب من قطاع غزة يفتح الفرصة لدفع عملية الاستسلام وهو يؤكد التزام إسرائيل بخريطة الطريق التي تتحفظ عليها بأربعة عشر بنداً والتي تهدف الى إقامة دولة فلسطينية ناقصة السيادة غير قابلة للحياة على الأرض وإنما داخل أنفاق الغضب التي ستفجر الجدار العازل . 

ويزداد الذئب تبجحاً في قمة صراع الحضارت والأمم التي لم تنفذ أي قرار يدعم أرض يبوس ويتهمها بأنها ظلمت إسرائيل باتخاذها قرارات ضدها حتى لو أنها لم تنفذ على أرض الواقع .ويطالب الفلسطينيين بالوفاء بالتزاماتهم بالقضاء على الإرهاب وبناه التحتية , وإذا كان إرهاب الدولة هو ما يعنيه فحق على الفلسطينيين الالتزام بضرب قواعد الإرهاب التي سبق وأن أرهبتهم وهم في بطون أمهاتهم واشتعلت رؤوس الأجنة في الأرحام شيبا .   

وإن لم يفعلوا ذلك فسيتولى جزار الشرق الأوسط الكبير الذي انهالت عليه العروض لتقديم تنازلات بالأسعار وبالمجان ومن أفضل التجار لعقد صفقات الأنخاب على موائد الولائم من اللحوم البشرية التي تطيب طعم لحومها في نفوس الأفاكين وتحت أضراسهم وأنيابهم المسمومة التي لازالت تبث الرعب والخوف في نفوس المقاومين وتنعتهم بالإرهابيين .

إن غزة هي "اختبار" لكيفية تعامل الفلسطينيين مع إرهاب الدولة عبر أنفاق الندم لترسم خارطة طريق جديدة للمنطقة لتدمر كل منبر ينكر حق الفلسطينيين في أرضهم أو أي نصيب لهم في حكم أنفسهم من خلال ثقافة المقاومة التي أشعلت قبس الحرية لتضيء درب الأحرار من أنفاق غزة الى حفريات الأقصى لتلتقي من جديد لتصافح أيادي عرب الداخل والخارج ابتهاجا بعيد الاستقلال.

إن طلب الذئب من السلطة للسيطرة على المنطقة بأكملها هو طلب منطقي تسعى اليه السلطة لا خدمة للمستوطنين وإنما خدمة للشعب الذي قدم التضحيات بدماء الشرفاء من أبناءه فداء لرفع راية التوحيد على أرض الإسراء أرض فلسطين مسرى خاتم النبيين . أرض الأنبياء والشهداء والصديقين وأرض الجبارين وسيكون الانسحاب من غزة هو " نهاية السيطرة الاسرائيلية ونهاية الاحتلال لكامل التراب الوطني " .

عندما يحترم الذئب خصمة فإنه يسعى للخلاص ولا يرغب في المواجهة ولا السيطرة ولهذا يقول " وليس لدينا اي تطلعات في ان نحكمهم. كما ان من حقهم ان ينعموا بالحرية والسيادة الوطنية في دولتهم". ورغم هذا فهو يغالط نفسه بالتعهد بمواصلة بناء الجدار العازل المثير للجدل والذي يمر عبر الضفة الغربية , وقال "سنواصل بناء الجدار حتى يكتمل"، وتناسى أن تحت هذا الجدار أنفاق جاري حفرها لتدميره وستكون خطوط الرعب من تحت الأقدام برعاية من عين لا تنام .  

فالإدارة الحالية التي انسحبت من قطاع غزة تعرف يقيناً القاعدة الارهابية العالمية التي انطلقت منها كل الاعمال والتنظيمات المقاومة للإرهاب والتي كان لزاماً منحها كل التقدير لو امكن التعامل مع  قضيتهم بما تستحقه من العدل والتوازن وفقاً لقرارات الشرعية الدولية التي سمحت لإسرائيل بالوجود مع الفلسطينيين جنباً الى جنب , أخذ الإسرائيليين نصيبهم وزادوا  عليه وحرم الفلسطينيين من نصيبهم واجبروا على هذا الحرمان في كل مكان لهم فيه مخيمات شتات .

أحد أهداف المقاومة الفلسطينية هو تقسيم الشعب الإسرائيلي وكسر روحه وشموخه وان وقف العمليات مرهون بالاستقلال ووقف الاستيطان وعودة المقدسات بالطرق المشروعة  والكفاح من أجل الأمن والهدوء والسلام , وإن لم يتحقق هذا الخيار فطريق الأنفاق معروفة يشهد عليها محور "فيلادلفي"  من خلال نشاط أبناء المقاومة الحقيقي الواسع النطاق من أجل الإمداد والدعم اللوجستي وتقليص انقياد العملاء لإسرائيل .

إن تَصَوُّر قيام دولة فلسطينية قد اتخذ المقاومون قراراً تاريخياً بشأنه وليسوا مستعدين لأي تنازل بالنسبة لأمن إسرائيل دولة أو مواطنين إلا بعد أن ينعم أبناءهم بالحرية وتنسم شذى عبيرها الذي لاحت في الأفق بالنصر بشائره وولى زمن يسيطر فيه شعب واحد على الآخر لأنه سيؤدي حتماً إلى كارثة للشعبيين .

تقول المقاومة نضطر للدفاع عن أنفسنا بسبب الهجمات علينا ونعرف كيف أن ننجح , ولكننا نعلم أن نرد بهدوء ونمد اليد الصريحة والشجاعة ردا على هدوء ومد يد السلام أحدها يحمل بندقية والأخرى غصن زيتون كما قال عرفات , لننشد ونغرد أنشودة السلام ومعزوفة الحرية في حياة جنبا إلى جنب بتفاهم لا بخصام .

ويدعي بعض اليهود أن المسجد الأقصى قد أقيم على أنقاض الهيكل الذي بناه سليمان بعد جلوسه على العرش ملكا علي بني اسرائيل بعد موت ابيه داوود غير أن هذا ليس صحيحا ، فحتى هذه اللحظة لم يكتشف أي اثر يدل على بناء الهيكل في هذا المكان أو في منطقة القدس ، وحتى هذه اللحظة لم يستطع أحد أن يحدد مكان مدينة داود فكيف لليهود أن يتحدثوا عن الهيكل المزعوم .

أن صراع الصهاينة مع الفلسطينيين صراع خاسر منذ أن سجل التاريخ أول انتفاضة ومقاومة شعبية ، وأنه سيؤدي إلى نهاية "إسرائيل". وكتب التاريخ الحديث منها والقديم مليئة بالتجارب فقوة البطش والقمع لن تطفئ جذوة نار المقاومة , ولم تكن قوات الاحتلال يوماً تأبه لمطالب المقاومين من خلال وسائل الإعلام أو الرأي العام العالمي أو صرخات أنين مظلوم , إلا بعد إحراز تقدم على الساحة العسكرية والميدانية ، وكما هزم هتلر سيهزم شارون أو من يتولى القيادة العسكرية من بعده في نهاية الأمر .

إن ظاهرة رفض الخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي دليل على أن الجيش في حالة تفكك ، وهو ما دعا شارون للقول إن الخروج من غزة هو لضمان أمن دولة إسرائيل وقد يكون هذا أفضل تطور استنتجته العقلية العسكرية الصهيونية لأنه قد يضطرهم إلى الخروج من الأرض المحتلة . وهذا أكبر مؤشر على تردي وضع الجيش الإسرائيلي الذي فضل قادته الانسحاب ومن طرف واحد على أن يولوا  هاربين من المواجهة أو من ضربات المقاومة المتلاحقة عبر أنفاق النار .

إن تضامن الدول المحيطة بفلسطين هو الذي يمنع تسلل المقاتلين وآخرها الكتيبة المصرية في محور فيلادلفي جزء من شبكة أوسع كأنها مثلثين متداخلين بشكل سداسي الأبعاد يشبه نجمة داوود لمحاربة الإرهاب العالمي الذي استهدف إسرائيل والأردن ومصر وسوريا ولبنان والسعودية وهي الدول التي لها حدود مشتركة مع فلسطين ومنطقة سيناء .

ومن المحتمل ان العداوة والنزاعات بين الجانبين عرباً ويهوداً أعمق من ان تكون قابلة للتسوية في المفاوضات، و أتوقع أن "لا" تعمر إسرائيل كثيراً لان المشروع الصهيوني القائم على الاستيطان وظلم السكان الذي لم ولن ينجح بالتغلب على العائق الديمغرافي الذي قض مضاجع اقطابه منذ ان أسسوه وإن الاحتياجات الوجودية للفلسطينيين ستضطر الدولة الفلسطينية المستقبلية الى محاولة التوحد مع دول الجوار نتيجة الزيادة الطبيعية الكبيرة التي يحظى بها الفلسطينيون ومن هنا جاءت الدعوة التي تقدم بها قيادي فلسطيني بارز بإلغاء الآثار المدمرة التي خلفها الانتداب البريطاني في المنطقة وإعادة ترسيم الحدود بين فلسطين ومصر بإعادة توحيد مدينة رفح .


كما طالب برسم الحدود المصرية الفلسطينية عند العريش كما كانت , وإعطاء الفلسطينيين منفذا على البحر الاحمر بعد ان تنازلت دول عربية عن ام الرشراش لإسرائيل التي حولتها الى ميناء ايلات .

ومن خلال خبرته ومشاهداته أكد أن إعادة ترسيم الحدود ستحل مشاكل انسانية وستعطي قطاع غزة مجالا حيويا جديدا , وأيد اقتراحه بأن يتحول وادي العريش لمنطقة استثمار مشترك بين الفلسطينيين ومصر تقام فيها مشاريع زراعية وصناعية تستوعب عشرات الالاف من العمال وان الدول الصناعية الكبرى مطالبة برصد الاموال اللازمة لذلك , ودعا أيضاً لإقامة كونفدراليه بين مصر والاردن وفلسطين تفتح افاقا لا حدود لها للتطوير والنمو في المنطقة , لا جدارا عنصرياً عازلاً ستدمره الأنفاق إن عاجلاً أم آجلاً .

مصطفى بن محمد غريب
الينوي – شيكاغو

صحيفة الصباح الإلكترونية 17-09-2005م


No comments:

Post a Comment